بعد مقترح السيسي.. لماذا ترفض إسرائيل فتح “النقب” أمام أهالي غزة؟
أحمد رياض جاموس||
تصدّر اسم “صحراء النقب” المشهد السياسي، خلال الفترة السابقة، بعد إشارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إليها، في مؤتمر صحفي مشترك كان قد عقده مع المستشار الألماني أولاف شولتز، بالقاهرة، بعد اندلاع حرب غزة .
حديث الرئيس المصري جاء بعد إشارات إسرائيلية إلى دفع الفلسطينيين في غزة للهجرة نحو سيناء المصرية، إذ وصف السيسي النقب بالوجهة البديلة لنقل فلسطينيي غزة الفارين من الحرب إليها حتى تنهي إسرائيل عملياتها في غزة، قائلاً إنه “إذا كانت هناك فكرة للتهجير، توجد صحراء النقب في إسرائيل يمكن نقل الفلسطينيين إليها حتى تنتهي تل أبيب من مهمتها المعلنة ضد الجماعات المسلحة من (حماس) و(الجهاد الإسلامي) في قطاع غزة”.
صحراء النقب
تحتلّ صحراء الجزء الجنوبي من الأراضي الفلسطينية المحتلة مساحة تقدّر بـ 14 ألف كيلومتراً مربعاً، أي: ما نسبته 40 في المئة من مساحة فلسطين، ممتدة من عسقلان على الساحل الغربي لوسط فلسطين وحتى رفح على طول الحدود مع سيناء، يحدّها شرقًا خليج إيلات والبحر الميت، وغربًا صحراء سيناء، أما من الجهة الشمالية فمدينة الخليل، جنوب الضفة الغربية، هي أقرب المدن الفلسطينية إليها.
تعدّ منطقة صحراء النقب التي تخضع لسيطرة إسرائيل بعد أن كانت جزءاً من الحدود الانتدابية لفلسطين، موطناً لقبائل عربية على صلة وقرابة مع قبائل الجزيرة العربية والأردن وعرب سيناء، وتقسم إلى 5 مناطق هي: وادي عربة، والهضبة المرتفعة، والوسطى، والغربية، والنقب الشمالي. أما أهم مدنها فهي بئر السبع، رهط (ثاني أكبر مدينة في النقب)، عرعرة، تل السبع وغيرها تنتشر فيها أبرز القبائل العربية مثل: ترابين، التياهات، الجبارات، العزازمة، الحناجرة، السعيدين، الأحيوات.
وحسب تقديرات فلسطينية، فإن عدداً كبيراً من سكان النقب هم من البدو العرب الذين بقوا في هذه المنطقة بعد حرب 1948 ويعانون إهمالاً متعمدًا من قبل سلطات الاحتلال. يقدّر عددهم بـ 300 ألف مواطن، نصفهم يعيش في نحو 46 قرية عربية، 36 منها لا تعترف بها إسرائيل، ولا تمدّها حكومتها بالكهرباء أو الماء أو المستوصفات الطبية أو البنى التحتية.
نقب النووي والقواعد العسكرية
تتجلى الرؤية الإسرائيلية في تشتيت الفلسطينيين أو إبعادهم ومنع إعادة تجمعات جديدة لهم ضمن المناطق التي تهيمن عليها، لذلك تكرّرت محاولات الاحتلال وسعيه في التخلص من الثقل الديمغرافي الفلسطيني عبر تصديره لدول الجوار، وهو ما بدا واضحاً في مذكّرات أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر الأسبق والتي حملت تلك المذكرات، عنوان: شهادتي، وصدرت عام 2012، حيث تناول واقعة طرح إسرائيل لمشروع تبادل الأراضي، المتضمن تخصيص مصر مساحات من الأراضي في سيناء للفلسطينيين، مقابل تسليم إسرائيل أراضي لمصر في صحراء النقب.
ويمتلك الاحتلال منشآت عسكرية في الصحراء، أهمها: مفاعل ديمونا، إضافة لعدة قواعد ومطارات، وحسب “مدار” (المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية( فإن بلدة ديمونا تقع إلى الجنوب الشرقي لمدينة بئر السبع وأنشئت في العام 1955 لتكون بلدة تطوير، وأرسلت إليها جماعات من المهاجرين اليهود الشرقيين (السفاراديون). وتضم أهم مفاعل نووي أحد أبرز الأسرار المركزية في السياسة والعسكرية الإسرائيلية، إذ لا يتم الحديث عنه إطلاقاً إلا ما ندر، وإضافة إلى ديمونا يوجد مفاعل “بالميكيم” ويقع شمال صحراء النقب، وهو مخصص لإجراء تجارب على الصواريخ النووية مثل صاروخ “أريحا.”
ولا يقتصر احتواء النقب على مفاعيل نووية، بل تضمّ أيضاً قواعد عسكرية كقواعد: (رامون وحتسريم ونفاتيم الجوية وقاعدة مشتركة إسرائيلية- أمريكية)، إضافة لمطار رامون شمال إيلات، ومحطة أرافا للطاقة الشمسية، وكان موقع “إسرائيل ديفنس” قد كشف في آذار/ مارس 2014، أن الخطط الإسرائيلية لتحويل النقب إلى أكبر قاعدة عسكرية في إسرائيل، تضم عشرات آلاف الجنود، وقواعد لحرب “السايبير”، والأسلحة التكنولوجية، ومركز تصنيف واستيعاب المجندين، ستنتهي عام 2020.
هل يُفتح النقب لفلسطينيي غزة؟
“إسرائيل تعتبر النقب منطقة إستراتيجية ووضعت منذ قيامها عدة خطط وأقرّت قوانين تسهّل السيطرة عليها عبر إخلائها من أهلها العرب، مثل مخطط “برافر” وتلاه “خطة شيكلي” وغيرها.. وفي العام الماضي كانت هناك شبه هبّة في النقب رفضاً لخطة زراعة كثيفة للأشجار الحرجية في الأراضي الخاصة للعرب تمهيدًا لإعلانها محميّات طبيعة بهدف وضع اليد عليها”، يقول لأورينت “خلدون البرغوثي”، الباحث في الشؤون الإسرائيلية.
لذلك فإن بعض الخطط تشمل طبعًا السيطرة على الأرض ونقل السكان إلى مواقع تجميع “غيتوهات” بعيدًا عن مساكنها التي نشؤوا فيها، من أجل إنشاء مشاريع استيطانية وصناعية ومدّ طرق تخدم المشروع الصهيوني التهويدي على حساب الوجود العربي الذي واجه عنصرية أكبر ممّا واجهتها باقي المناطق التي احتلت عام 1948، إذ ترفض سلطات الاحتلال الاعتراف بأربعين قرية عربية في النقب ما يعني حرمانها من الخدمات الأساسية خاصة الكهرباء بهدف دفعهم إلى هجرتها، حسب البرغوثي.
ويعلق البرغوثي على حديث السيسي، بالقول، إن “السيسي رمى بالكرة في ملعب دولة الاحتلال، عبر طرحه فكرة تهجير الفلسطينيين إلى النقب، كفكرة افتراضية غير قابلة للتطبيق، لأن إسرائيل أصلًا تريد التخلص من فلسطينيي أراضي 48، فكيف تورط نفسها بالمسؤولية عن أكثر من مليوني فلسطيني من غزة داخل حدودها؟”.
أورينت