دولي

“داعش” يستيقظ مجدداً في بادية حمص.. ماذا يحضّر نظام الأسد؟

أحمد رياض جاموس||

من جديد تعود فزّاعة تنظيم داعش إلى الواجهة، إذ شنت خلايا التنظيم هجوماً عنيفاً على جنوب السخنة وشمالها الغربي بشكل متزامن في بادية حمص، تمكنت على إثره من السيطرة على عدة مواقع عسكرية تتبع لميليشيا أسد وعدد من الذخائر والأسلحة قبل أن تنسحب الخلايا التي لم يعد يفصلها عن المدينة سوى 20 كم، نتيجة وصول مؤازرات من عدة تشكيلات عسكرية، أبرزها الفرقة 18 والفرقة 11 دبابات وميليشيا الدفاع الوطني.

ويطرح نشاط التنظيم المتصاعد جملة من التساؤلات عن طبيعة تنقلاته في البادية السورية التي تعد معقلاً لخلاياه رغم الانتشار الواسع للميليشيات الإيرانية ونقاط ميليشيا أسد والدفاع الوطني، إضافة إلى توقيت ظهوره ونوعية وحجم الأهداف التي يتجه نحوها.

البادية ثقب التنظيم الأسود

منذ انحسار التنظيم عن الباغوز آخر رقعة من أراضيه بريف دير الزور 2019، لم تتوقف عملياته -على تفاوتها- في البادية السورية والتي تشكّل عقدة ربط مع بادية الأنبار العراقية، إذ وجد بالبادية قاعدة آمنة ينطلق منها لاصطياد النقاط والحواجز والأرتال العسكرية على الطرق السريعة، مستفيداً من التأقلم والتكيّف مع طبيعتها الوعرة وخبرته بشعابها وممراتها، ومتّبعاً في الوقت ذاته أسلوب “الذئاب المنفردة”، إذ يعتمد على مجموعات صغيرة مكونة من ثلاثة أفراد فقط تستقل دراجة نارية وبأسلحة فردية خفيفة وعبوات محضرة يدوياً، لسهولة الاستهداف والتحرك وسرعة الانسحاب بعد تحقيق ضربات معينة. 

وتعدّ البادية السورية محطّ أنظار الفاعلين الدوليين في الملف السوري، الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وإيران مدعومة بوكلائها، بسبب مساحتها الكبيرة التي تقدّر بنحو 60 ألف كيلومتر مربع، وغناها بمناجم الفوسفات وآبار النفط، وارتباطها بشرق سوريا وشمالها الشرقي (دير الزور والرقة)، مع وسطها (حمص وحماه)، وجنوبها الغربي (القلمون الشرقي والسويداء)، ما يعني أن التحرك فيها هو الاستحواذ المرن على طرق الإمداد والاتصال مع الأردن والعراق والغرب السوري.

الحقائق والأرقام المثيرة للاهتمام من تقرير “المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات” الصادر في آب/ أغسطس الفائت، كانت قد أشاحت اللثام عن خلايا التنظيم التي تتوزع على مساحة نحو أربعة آلاف كيلومتر مربع داخل الصحراء السورية، بين منطقة جبل أبو رجمين في شمال شرقي تدمر، والريف الغربي من بادية دير الزور، إضافة إلى بادية السخنة، وصولاً إلى الحدود الإدارية لمحافظة السويداء في الجنوب الشرقي، وفي الحالات التي يكون فيها العمل جماعياً، تصبح القيادة لقادة في التنظيم ينتشرون في منطقة الكوم التابعة لناحية السخنة التابعة لمدينة تدمر شرق محافظة حمص، وتتمتع الكوم بالتعداد والسطوة والتجهيز، وتعتبر مصدر قوة أساسية لـ “داعش” وقد نفذت خلايا التنظيم منذ مطلع العام 2023 حتى منتصف أغسطس 2023، 106 عمليات ضمن مناطق متفرقة من البادية السورية.

توقيت عمليات داعش

مع كل أزمة تحيط بميليشيا أسد تظهر “داعش” على الساحة بنشاط جديد، وهو ما يضع إشارات استفهام عن مدى العلاقة التوافقية بين ميليشيا أسد والتنظيم، الذي قدّم خدمات كبيرة للأسد خلال سنوات الثورة السورية، فضلاً عن أنّ تحرّك “داعش” بالرغم من امتلاء المنطقة بميليشيات طهران، يبثّ شكوكاً في مرجعية هذه الهجمات والآمر بها والمستفيد منها.

فقبل شهر وبالتزامن مع حراك السويداء المتصاعد نتيجة الظروف المعيشية المتدهورة، خرج بوق النظام الإعلامي اللبناني، حسين مرتضى، ليتحدث عن معلومات مفادها أن الأمريكيين يستعدون لتخريب التوافق الذي تسعى إليه حكومة دمشق مع وجهاء السويداء، عن طريق انتحاريين من تنظيم داعش كلّفتهم واشنطن بالقيام بعمليات تفجيرية في المحافظة.

مزاعم مرتضى كان قد سبقها إخلاء قوات النظام في العام 2018 مواقعها شرقي السويداء ليتسلّل عناصر من التنظيم ويقتلوا نحو 150 من أهالي قرى المنطقة ذات الأغلبية الدرزية، وكان ذلك رسالة من النظام على امتناع أهالي السويداء عن إرسال أبنائهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية.

وبالعموم فإن النظام يستفيد في سوريا من إعادة توجيه أنظار حاضنته المتململة من الوضع الاقتصادي المتردي نحو أخطار الإرهاب التي يزعم التعرّض لها من قبل هذا التنظيم بالذات، فضلاً عن التوجه لتثبيت فكرة استعداد ميليشيا أسد لمواجهة ما أو تحضير أمر جلل.
  
في كتابه ” داعش في قلب جيش الإرهاب” للباحث الأمريكي مايكل وايز، وتحت الفصل المسمى “وكالة الأسد” يعرض الباحث تفاصيل التعاون والتنسيق الواسع والتحالف الإستراتيجي الخفي بين الأسد والتنظيم، فيما نشر “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى” أيلول/ سبتمبر 2021، تقريراً مطوّلاً تناول فيه العلاقة الوطيدة بين النظام وتنظيم داعش وكيفية استفادة النظام اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً من تمدّد التنظيم وضربه قوى المعارضة المعتدلة.

يشير الباحث في الحركات الجهادية عبد الرحمن الحاج، أن العلاقة بين النظام وداعش غامضة، وهذا طبيعي لأن إبقائها كذلك هو الذي يسمح لها بالتلاعب بها واستخدامها دون أن يؤدي ذلك إلى مسؤولية مباشرة.

وحسب حديث الحاج لأورينت، فإنه لا يمكن تجاهل الربط بين أزمات النظام وظهور داعش، وقد تكرر هذا خلال عشرة أعوام، حيث يظهر داعش للتخويف من استهداف النظام، وأن إضعافه سيقوّي داعش والتنظيمات الوحشية المتطرفة فظهور داعش المفاجئ والقوي في ظل ظروف الأحداث في غزة بالدرجة الأولى يرسل رسالة واضحة مفادها أنه يجب تفادي ضرب النظام لأن تنظيماً متطرفاً مثل داعش سيتغوّل وستكون النتيجة أسوأ، فالشيطان الذي تعرفونه أفضل من داعش.

ويبدو أن الأسد يحاول توجيه الغليان الشعبي عبر استثماره سياسياً يشبه كلّ حدث خارجي حصل ويحاول الاستفادة منه إلى أقصى الحدود، فهو يريد من جهة أن يفرغ الغضب المتنامي من الأوضاع الاقتصادية المنهارة من جهة وما نتج عنها من حراك، ومن جهة أخرى يريد أن يظهر تضامنه مع محور المقاومة بحسب الحاج، مستدركًا حديثه بالقول، “إلا أن هذا التضامن هو تضامن شكليّ فارغ مع تجنّب أي نوع من أنواع التصرف المباشر، لأنه لا يريد دفع أيّ تكلفة، لهذا السبب فهو يجد في هذه الاحتجاجات فرصة ثمينة تحقّق له عدة مكاسب مرة واحدة”.

أورينت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى