آراءخبر عاجلدولي

أميمة وعبد العزيز يكتبان : العنف مرض العصر

أميمة كامل – محمد عبد العزيز

IMG-20150413-WA0031
د اميمة كامل و محمد عبد العزيز

 

الآمان والاطمئنان أهم عنصرين لحياة المخلوقات جميعها من شجر وحجر وحيوان وإنسان ، ولا نعفي أحد من المخلوقات من حاجته للأمان وان كان الإنسان أكثر تلك المخلوقات تعبيرا عن حاجته لهذين العنصرين ومن ثم يعكسهما على سائر المخلوقات التي يتعامل معها ، فإن شعر الإنسان بالأمان رقيت تعاملاته مع الشجر والحجر والحيوان .

وانطلاقا مما سبق فقد عاش الإنسان على وجه هذه البسيطة  وهاجسه الأساسي الوصول إلى  أعلى درجات الاطمئنان والأمان لنفسه ولذويه ؛ وجراء ذلك سعى لمعرفة نفسه والآخرين ، ومعرفة الكون ومخلوقات الله ، فالكائن الحي أدرك المخاطر  وأخبر عنها ، ووضع لنفسه نظاماً وقائياً يحمي نفسه من أخطار الآخرين.

ويعرف العنف على أنه  عادة عتيقة بعيدة عن التحضر وسلوك يعتريه القهر والعدوان والإكراه ، تستثمر فيه رغبات جامحة نحو عشق الهيمنة والسطوة والمال وتستغل في هذا السلوك الطاقات العدوانية بشكل مباشر وشفاف، كالقتل  وتدمير الممتلكات ، واستخدام القوة لإكراه الخصم وقهره.

 والعنف يمكن أن يكون ممنهجاً او عشوائياً ، فردياً أو جماعياً  ، فيمكن أن يصدر عن فرد يطلق عليه مصطلحات من مثل  ” بلطجي ” أو ” شبيح ” فى بعض مجتمعاتنا العربية ، ويمكن أن يصدر عن مجموعات إرهابية ذات ايدولوجية متطرفة دينياً أو قد يصدر عن  هيئة أو مؤسسة ما  تستخدم جماعات وأعداداً كبيرة على نحو ما يحدث في التظاهرات السلمية التي تتحول إلى عنف بدني وتدمير واعتداء جراء اندساس عناصر متطرفة بين المتظاهرين ، أو قد تستخدم بعض الدول الشرطة للعنف في فضها للتظاهرات والاضطرابات.

 والعنف من الغرائز العدوانية الفطرية  التي لو تركت علي عنانها بالنسبة للانسان بالذات لوصلنا إلي حد مخيف .  لذا كان التهذيب والتوجيه و الحد منها، ضرورة،في كل زمان ومكان.

 ولأن العنف يولد الجريمة ويصدرها إلى المجتمعات فيدمرها شيئا فشيئا فلابد للمفكرين والعلماء من تتبع أسبابه لمحاولة تقويضها حماية للمجتمعات والشعوب من هذا الغول المدمر ” العنف ” .

 والعنف وان كان ظاهرة عالمية تزداد  بزيادة  المادية وبعد الإنسان عن تعاليم الدين وروح الإنسانية السمحاء والعزوف عن إشباع الجوانب الروحانية والوجدانية ، إلا أن ذلك لا يحول من دون محاولات الحد من انتشاره صوناً لمجتمعاتنا .

 وكان عظيم ما يهدد وجوده منذ القدم افتراس الحيوانات المتوحشة له  أو الموت المفاجئ بشتى أنواعه ،  فكان محور اهتمام الإنسان  الحفاظ على ذاته ، وظلت مشكلة بقاءه  أمام مخاطر الطبيعة والكائنات الحية الأخرى وكذلك أمام صنوه من بني الإنسان، محل صراع لا نهاية له  لاسيما في ظل  تطور الحضارة واتساع رقعة الأطماع والطموحات الشخصية وعشق السيطرة والمال .

وجاء القرن الأخير من الزمان ليرتفع معه سقف  هواجس الحفاظ على الحياة وصد الموجات المتنوعة بأشكالها ، وفى القلب منها عنف الإنسان تجاه أخيه الإنسان وظلمه له ، أو حتى عنف الإنسان ضد بيئته ، وعنف الأب تجاه أسرته، والزوج تجاه زوجته  وسائر أنواع العنف .

ولا يستقيم مواراة عنف الشعوب والمجتمعات الإنسانية ضد نظيرتها الأخرى الأضعف  والأقل تطوراً منها ، وقد يولد ذلك العنف في صورة ازدراء لها ، والعنف الممنهج والعشوائي معاً يسهمان في هدم التطور الحضاري والقيمي والتقني .

ولطالما سجل التاريخ على صفحاته أغرب أساليب العنف والعدوان والتعسف الفردي تجاه الأفراد ، والجماعي ضد الشعوب ، وما اقترفته المجموعات المتطرفة التي آمنت بسلوك العنف لتحقيق مآربها وأهدافها في الهيمنة على الثروات والسلطان مهما كلفها ذلك من عنف فردي أو جماعي فهما صنوان  ، وقد كانت حادثة الاقتتال بين أول ولدى ادم قابيل وهابيل  هى أول ما دون التاريخ عبر قصص القرآن العظيم ، فكانت أول دماء تسيل على الأرض جراء ذلك الغول المسمى ” العنف ”  .

والإسلام قبل 1435 عاماً أمن الإنسان وبث في روحه الطمأنينة الفائقة  وصان حقوقه عندما حرم الاعتداء على النفس والعرض والمال والعقل والدين ، وهي ضروريات  خمس اعتبرها الإسلام غاية وأساساً لقيام المجتمع القويم، ومن هذا المنطلق فإن الإسلام بمحاربته للعنف  يأخذ بيد الإنسان ليكون فعالاً في بناء نهضته البشرية وتقدمها ، لذلك كان الأصل في الإسلام السلم  ، وهذا ابلغ رد على من يرمونه بأنه يدعو للعنف ويسعون لتنقيح القرآن من آيات يزعمون بهتانا أنها تدعو للعنف .

وللعنف والجريمة أسبابا معروفة ومرصودة منها: عدم التنشئة السليمة منذ الصغر ومن ثم تعاطي المخدرات ، وعدم رقابة الأسرة ومن ثم  رفقاء السوء ، والفراغ، وكثرة المال ، وكثير من الأسباب التي تؤدي إلى تكوين إنسان متعطش لاستخدام العنف وسيلة لتلبية رغباته وسد غرائزه .

 ومن أسباب العنف أيضاً حب الدنيا  وهي التي خاف منها الرسول – صلي الله عليه وسلم – علي أمته حيث قال فيما معناه : ” لا أخاف عليكم الأعداء ولكن حب الدنيا وكراهية الموت ”  ، فإذا وقر في قلب الإنسان حب الدنيا ،( المال ، السلطة، الأبناء) باع كل شئ  ” قيم وأخلاق ومبادئ ، ودين ”  في سبيل هذا  الحب المرضي الخبيث الذي يولد العنف  لا محالة . 

 ولعل القتل والدمار والحروب والدماء التي تراق  في السنوات الأخيرة بكثافة من كل حدب وصوب فتزهق معها أرواحاً بريئة  ، إنما نتاج عنف ممنهج عبر مؤامرات وخيانات تبقى على صفحات التاريخ كنقاطٍ سود في سجل أصحابها أينما كانوا ، وما أقدم هؤلاء من رعاة العنف على تلك الأفعال الوضيعة  – رغم يقينهم بسوء العاقبة- إلا لعشقهم المجنون للدنيا وزخرفها من مال وسلطان وجاه وغرور القوة  .

 وقد بين الله عشق الناس للدنيا وللمال الله حيث قال في كتابه الكريم  ” وتأكلون التراث أكلا لمّا * وتحبّون المال حبّاً جمّاً ” ،  ومثّل له النبي – صلى الله عليه وسلم- بقوله: (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب) .

 ومن الضروري تعدد وسائل العلاج ومنها السعي لإيجاد هدف للشباب العربي واستغلال طاقاتهم في بناء أنفسهم أولا ثم مجتمعاتهم ، لأن هذا سبب مباشر لمشاكل كثيرة منها التطرف الديني، الانحرافات الفكرية التي أسهمت في  غياب مجتمعات  علمية متطورة .

كما انه من المهم أن تكون الحكومات بيئة حاضنة للشباب عبر  توفير أنشطة وفرص عمل  لحمايتهم من سوء استغلال جهات داخل المجتمعات لهم باستقطابهم لخدمة أهداف سياسية تدمر قوتهم الشبابية فتفقد المجتمعات فاعليتها وقوتها الضاربة   فيتحول الشباب إلى أداة هدم للوطن . ويمول هذا الهدم مخطط خبيث خارجي عبر اذرع داخلية  ، وللأسف ضعف النظم السياسية في عالمنا العربي عامل مساعد على هذا الاختراق بعدم الإعلاء لقيم العلم والعمل ،والانجاز ، من خلال قيمة الإنسان وبناءه واهتمام وتنميته.  كما أنه من الواجب على رجال الدين الأسوياء ورجال التربية الأقوياء العمل على انتفاء أسباب العنف عبر تبيان أن المال ليس إلا وسيلة في الحياة وليس غاية تدفع الناس للتكالب على الدنيا والاقتتال والتناحر ومن ثم استخدام العنف للوصول إليه ، وتذكير الناس دائما بأخلاق الإسلام السمحاء وأن النفس يخرج ربما لا يعود . .

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى