آراءمحلي

المسفر: الشعب يريد محاكمة المفسدين

عبد الرحمن المسفر
عبد الرحمن المسفر

عبد الرحمن المسفر – الوطن:

«يصبح المفسدون متجبرين في الأرض عندما يشعرون بأنهم في مأمن عن المساءلة والعقوبة» – من وحي المنطق-

لسنا شعبا ملائكيا حتى نعصم أنفسنا من تغلغل المفسدين وضعاف النفوس و«خونة الوطن»، فقد قيل في الأمثال: «من أمن العقوبة أساء الأدب»، وثمة فرق ما بين الفاسد والمفسد، فالأول ينحصر عدوانه على نفسه أما الآخر فتتعدى سمومه ذاته الى الآخرين، فتراه يخترق القوانين ويعبث بالذمم والضمائر وينهب خيرات البلد بمختلف الطرق ويطوع من أجل ذلك منعدمي المروءة، فالغاية لدى هؤلاء المفسدين تبرر وسائلهم، ومن سوء حظنا ان تكون جل مصائبنا من القوم المفسدين.

المثير للسخرية ان نشاهد بعض المفسدين يتحدثون عن الوحدة الوطنية وحماية المال العام واحترام القوانين وتحقيق العدالة الاجتماعية وصيانة الدستور، وكأن هؤلاء القوم طاهرون منزهون عن الآثام والخطايا، أتعجب حينما أراهم يحضون الناس على الفضيلة والتمسك بالثوابت الوطنية ودعم الاستقرار السياسي وترسيخ قيم المواطنة!!!، لقد أضحى المفسدون بخداعهم وتلونهم وخبثهم خطرا على ديمومة الدولة وتطورها وضمان مستقبل أجيالها.

لسان حال الشعب يتساءل: هل رأينا تاجرا مفسدا خلف القضبان؟! هل سمعنا ان وزيرا أو قياديا مرتشيا أو راشيا عزل من منصبه وأنزل عليه أشد الجزاءات؟! هل قرأنا يوما بمحاكمة نائب خائن استغل ثقة الأمة به؟! هل نحن مطمئنون إلى أن سياط الجزاء تنال من كبار القوم قبل صغارهم؟! أم ان العقوبات تقف عند أشخاص وتطبق على آخرين؟! هل أنتم متأكدون- يا معاشر الكويتيين- من صدق مقولة «دولة المؤسسات»؟!.

المفسدون أصبحوا دولة داخل الدولة، يستمدون قوتهم من سطوة أموالهم الهائلة ونفوذهم في المناصب الحساسة، يعملون وفق «ميكانيكية ثنائية» قائمة على «شراء الناس أو قمعهم»، فمن لم يستجب لهم بالمال والاغراءات والعطايا لقنوه دروسا في التهميش والاقصاء وربما تلفيق التهم له وتحطيم ارادته، فمن يستطيع مواجهتم اذا كانت الدولة غير قادرة على ردعهم؟!.

تنتابني الدهشة وأنا أرصد ما يقال عن جرائم الفساد المالي والاداري والسياسي وعلى ألسنة شيوخ من الأسرة الحاكمة وجمعيات نفع عام محلية ومنظمات عالمية ونواب ومسؤولين سابقين ومختصين في شتى المجالات، ويزداد استغرابي حينما لا أجد مفسدا كبيرا ينال جزاءه ويكون عبرة لغيره، وأتساءل هنا: «هل نحن أمة ضعيفة أم عاجزة أم فقدت الأمل بالاصلاح؟!».

»الشلة المفسدة» تعرف جيدا ثغرات القوانين، وتستطيع من خلال تلك المعابر النفاذ بجلدها من طائلة العقوبات، كما أنها توظف دوما صلاحيات العناصر التي غرستها في الجسد الحكومي لمصلحتها، وتنتهز ضعف «المنظومة الاجرائية» ورشوة خسيسي الطباع لتمرير منافعها المشبوهة، ولن توقف القوانين المحكمة افساد هؤلاء المتنفذين ما لم تكن هناك ارادة سياسية فاعلة وشراكة مجتمعية عازمتين على مكافحة الفساد وكشف أوكاره ومحاسبة أطرافه.

ما يثير الحفيظة ان يصل الاستهزاء بعدد من الرؤوس المفسدة الى حد الاستخفاف بالدولة ومؤسساتها وقوانينها وشعبها، اذ تبدو هذه «الشلة» غير مبالية بما سيواجهها من عقوبات، بل ان سطوتها قد تصل الى توريط من لا يستجيب الى ارادتها، ولعل قضية امتناع المحقق مصعب الفيلكاوي عن قبول الرشوة ما أدى الى ايقافه عن العمل، تدق ناقوس الخطر- في حال ثبوت تلك الواقعة- على استفحال الفساد.
سيطرة المفسدين على مفاصل القرار وشيوع ظواهر الفساد المختلفة نذيران بتوالي الانهيارات من الداخل، وليس ثمة ما هو أخطر على الدولة من سقوطها بفعل مؤثرات ذاتية كامنة، فذلك أشد ضراوة من الغزو الخارجي، فهل نلتزم الصمت في ظل البشائر التي تزفها الحكومة للمواطنين بتعرض موازنة الدولة في عام 2017 لعجز مالي؟! هل نوزع الابتسامات ونشعل الشموع على فشل المجلس الحالي في حل أزمة الاسكان وطابور العاطلين عن العمل وتحسين الخدمات الصحية وتطوير التعليم وكبح جماح ارتفاع أسعار الأراضي السكنية والعقارات الخاصة والايجارات والسلع الغذائية ورسوم استقدام العمالة المنزلية وكلفة أجور عمال الانشاءات وتصاعد مواد البناء؟! هل نصفق لمجلسي الأمة والوزراء على انجازهما خطة تنموية حقيقية لا تعيد لنا مسلسل «استاد جابر» أو «محطة الزور» أو «مشروع الداو» أو «مبنى مجلس الأمة» أو قائمة المشاريع الفاشلة التي فاز بها بعض التجار، بينما خسر المواطنون حق الانتفاع الفعلي منها؟! هل نمنح أعضاء السلطتين «التشريعية والتنفيذية» وسام «الشعب الكويتي من الدرجة الأولى» على شطب الاستجوابات وقتل أداة المساءلة وتحويل المؤسسة التشريعية الى مخفر من كثرة تشكيل لجان التحقيق والمبالغة في خنق الحريات عن طريق اغلاق بعض الصحف اليومية وحجب النشرات الاخبارية التلفزيونية؟! هل نحتشد في الشوارع مبتهجين بانتصارنا على بؤر الفساد السياسي والمالي والاداري، ونعلن وسط تلك الجموع انتصارنا على بؤر المفسدين ممن نهب الكويت وأضر بمصالحها وأهدر كرامة شعبها، ومن ثم الى أين سيكون مآل هؤلاء؟!.

أخيرا: كي ننقذ ما يمكن انقاذه، علينا ان نهتف بصوت واحد: الشعب يريد محاكمة المفسدين!.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى