آراءدولي

جرائم لا يمحوها الزمن

بقلم مهندس / محمود صقر

محمود صقر
محمود صقر

بعد أن تم شحن الجماهير ضد سيدنا عيسى بصفته خارجاً على الدولة الرومانية وخطراً على العقيدة اليهودية، عاد بعض العقلاء منهم وراجعوا أنفسهم وتساءلوا: كيف نقتل رجلاً لم يسبب لنا أي أذى، ولم نر منه سوءاً؟!

وهنا تدخل أحد التجار اليهود وقال:” إن الموضوع لا يستحق تأنيب الضمير لأنه رغبة جماهيرية، وسيرتكبه جمع غفير من الناس.

فالجريمة وإن كانت كبيرة فستتوزع علي عدد كبير من الناس، ويكون نصيب الفرد من الجريمة جزءاً صغيراً لا يستحق تأنيب الضمير!

هكذا تخيل الدكتور “محمد كامل حسين” هذا الحوار الفلسفي لتبرير الجريمة في قصته “قرية ظالمة”، المنشورة في الخمسينات من القرن الماضي.

وتبقى هذه الفلسفة في تبرير الجرائم والمذابح الجماعية لها اعتبارها عند كبار المجرمين المحترفين.

فعلي الصعيد الدولي، حين أرادت أمريكا غزو العراق كونت ما عرف بالتحالف الدولي، فبرغم أنها هي القوة الضاربة، وكان بمقدورها من الناحية الحربية أن تقوم بالمهمة بمفردها، إلا أنها حرصت على إشراك أكبر قدر من الدول الداعمة والمشاركة، فتتوزع هذه الجريمة على هذا الجمع المسمى “الأمم المتحدة”.

وعلى مستوى المجتمعات، تقول الدراسات النفسية: إن الفرد يسهل عليه ارتكاب جريمته في جمع مشابه له من الناس، ففي جرائم التحرش الجماعي مثلاً، قد تنتشر العدوى بين الجماهير فترتكب جرائم تحرش أو اغتصاب، ماكان للفرد بمفرده أن يفعلها – حتى وإن كانت عنده الرغبة- أمام ذات الضحية في ذات المكان.

وقد يستغرب جيلنا الذي يعلم عن الشعب الالماني والشعب الياباني تلك الصورة الحضارية الوردية، أن آباء وأجداد هذا الجيل ارتكبوا تحت تأثير حملات الكراهية والعنصرية بقيادة نظمها الديكتاتورية في النصف الاول من القرن العشرين أبشع الجرائم الجماعية.

وعلى مستوي النظم الديكتاتورية الفاسدة فهي في سبيل ارتكاب الجرائم التي تدعم بها ملكها تحشد لها أكبر قدر من الشعب المخدر تحت سحابة دخان الدعاية الكاذبة، فهي أيضا تريد أن توزع الجريمة على أكبر قدر من الناس، لا لإراحة ضميرها فهي لا ضمير لها، ولكن لخلق حالة كراهية عامة تدعم توجهاتها المجرمة.

ولكن دروس التاريخ علمتنا أن المذابح والجرائم المرتكبة في حق الشعوب لا يمحوها الزمن، ولا يغسل عارها كر الليل والنهار، ولا تسقط تبعاتها بالتقادم.

وأن تلك الأنظمة والشعوب المخدرة وراءها، والتي ارتكبت أبشع الجرائم الجماعية، قد جرَّت على بلادها الويلات والخراب ودفعت ثمنا غاليا.

وإذا كانت جرائم التاريخ الماضي حفظتها ذاكرة الناس وتداولتها الروايات المتواترة وحفظ بعضها الصور الفوتوغرافية, فإن الجرائم المعاصرة نقلتها شاشات التلفاز علي الهواء, وسيظل عارها يلاحق مرتكبيها، ومؤيديها، والراضين عنها، والساكتين عليها.

وستظل علامة فارقة في تاريخ شعب يبحث عن حريته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى