صقر يكتب: التجارة بالدين
بقلم : محمود صقر
عرفت المجتمعات البشرية التجارة بالدين منذ القدم.
ففي الحضارة المصرية القديمة كان الكهنة يستغلون سلطتهم الروحية ويبيعون الرُقَي والتمائم، وأيضاً استغلوا عقيدة البعث والحساب بعد الموت في بيع لفائف من ورق البردي مكتوب بها إرشادات لكيفية النجاة من الحساب (وقد اكتشف نحو ألفي ملف من قبور متعددة أطلق عليها مجتمعة “كتاب الموتي“).
وليس هناك نموذج للتجارة بالدين أكثر فجاجة من قيام كنائس أوروبا في القرون الوسطي ببيع أماكن في الجنة مقابل ما يدفعه الأتباع لشراء صكوك الغفران.!!
وقد وجدت في زيارتي لمسجد قرطبة الجامع جنوب أسبانيا -والذي حول الاسبان جزء كبير منه الي كنيسة- بناءاً خشبياً مربع المقطع بارتفاع حوالي مترين له باب جانبي للدخول وفتحة (شباك) بالأمام وداخله دِكة للجلوس.
لفت نظري هذا النموذج الذي أهمله دليلنا السياحي، وساقني حب المعرفة لسؤاله بعد انتهاء الجولة، فأجابني:( هذا هو “كرسي الاعتراف”)، فهممت بتصويره فمنعني الحارس، واكتشفت أنه صار جزءاً من ماضٍ لأوروبا لا ترغب في ذكره وتصويره.
والدول الإسلامية التي لا يعرف دينها الكهنوت، استخدمت في عصور انحطاطها ضعاف النفوس من المشايخ لتطويع الشعوب باسم الدين لخدمة السلطة الزمنية.
بل واشترت السلطات فتاوي رجال الدين ومواقفهم بالمال والمناصب والشهرة.
وزاد علي ذلك في عصرنا وجود توظيف سياسي لأصحاب اللحي والجلابيب، وأصحاب العمائم والصلبان، مقابل منافع دنيوية.
وهناك تجارة في عصرنا خاصة بالدين الاسلامي وحده دون سواه، وهي تجارة: (سب الدين والاستهزاء به والسخرية منه).
فمن يمتلك حدود دنيا من إمكانات الكتابة أو الإلقاء فقد تفتح له هذه التجارة مغاليق أبواب الغرب وجامعاته وجوائزه، وتفتح له في بلاده أجهزة الإعلام وجوائز الدولة وجرائدها ومناصبها.
كل هؤلاء مارسوا التجارة بالدين بمعناه الحرفي للتجارة التي هي عبارة عن: بيع سلعة مقابل منفعة دنيوية، والسلعة هنا هي: “الدين.”.
فيا تري: هل تم توجيه مصطلح “تاجر دين” لأيٍ من هؤلاء.؟؟!!
بالطبع لا يا عزيزي، فمن روج هذا المصطلح يعلم تماماً أنه يؤدي دوراً مرسوماً في الحرب النفسية ضد الإسلام والمسلمين، ويعرف تماماً أن المستهدف من هذه الخطة هو تشويه صورة العاملين المخلصين الذين يبيعون حياتهم وأمنهم وحريتهم خدمة لدينهم.
والهدف هو: عزل الدين عن الحياة، وتشويه صورة المسلم الملتزم ووضعه في ركن المتهم الذي ينشغل بالدفاع عن نفسه، والمنبوذ الذي يشك في عقيدته، والمحاصر الذي ينبغي أن يفكر ألف مرة قبل إبداء رأي الدين فيما يدور حوله من أحداث خشية الاتهامات المُعَلَبة التي تبدأ من الإرهاب وتنتهي إلي “تاجر دين“.
إننا في معركة الوعي يا عزيزي التي تزيل الغشاوة عن العيون، والغبش عن الفكر، وتعيد الأسماء إلي مسمياتها، وتعيد للمفاهيم أصالتها ونصاعتها.
لتبقي – رغم أنف الحاقدين- تجارة الدين الرابحة تاج الوقار والفخار علي رؤوس دعاته والمجاهدين في سبيله:
( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ).