

ذعار الرشيدي- الأنباء:
عندما يعجز الإنسان عن إيجاد تفسير علمي لظاهرة ما، يلجأ وبطريقة آلية إلى الماورائيات، فينسب أسباب تلك الظاهرة التي فشل في ايجاد تفسير علمي لها الى الجن مثلا، وهذا التفسير هو الحل الأسهل له حتى لا يشغل دماغه أو لجهله العلمي بحقيقة الظاهرة التي حدثت أمامه، ومما يذكر انه عندما ظهر الراديو لأول مرة في البلدان العربية كان بعض العرب ممن لم يسمعوا بالراديو ولا يعرفون عنه شيئا يعتقدون انه صندوق يحبس فيه الجن، حتى انتشر الراديو في اصقاع الوطن العربي وعلم الناس انه مجرد جهاز مستقبل لموجات الأثير التي تبثها محطات الاذاعة في العالم، ومعها اختفى وتلاشى التفسير الماورائي لهذا الجهاز الصغير، ولم يعد احد يقول انه «صندوق الجن».
>>>
العرب اليوم، بل للأسف المثقفون العرب والمحللون السياسيون المتخصصون عندما عجزوا عن تفسير ظاهرة «الربيع العربي» التي عصفت بالعالم العربي تجدهم يلجأون إلى التفسير الاسهل، ويقولون لك انها جزء من «نظرية المؤامرة» فيفسرون كل ما يحدث بأنه جزء من مؤامرة كونية تحاك ضد الوطن العربي، ويتحدثون من فراغ فكري عن ان العالم كله شرقه وغربه، انجليز واميركيين وفرنسيين وهنودا وصينيين، يتآمرون على كل ما هو عربي، وأن العالم كله يتآمر ويريد القضاء علينا وإبادتنا وربما ترحيلنا من كوكب الأرض لو قدّر لهم ذلك!
***
نظرية المؤامرة متعددة الأطراف والممتدة والمتشابكة كلها تصب ضد العرب، بل ضد كل ما هو عربي.
والحقيقة وبشيء من التجرد، لا أحد في العالم يتآمر علينا، وإن كان من أحد يتآمر على العرب.. فهم العرب أنفسهم. لا احد في واقع الأمر يتآمر على العرب، ولنأخذ المسألة بشيء من المنطق البسيط، هؤلاء المتآمرون غربيون وشرقيون هم صناع التكنولوجيا الآيباد والسامسونغ وهم اصل الديموقراطيات الحقيقية وهم شعوب تحفظ حقوق الإنسان وترفع لواء العدل القضائي، وهم مصدر كل ما نستهلكه من الابرة حتى الصاروخ العسكري الذي تنتهي صلاحيته غالبا ولم يستخدم لدينا الا في مناورة مشتركة مع احدهم، هم معقل الأطباء والبلدان التي تصنع.. بل وتخترع الأدوية والمعدات العلاجية.
***
في حقيقة الأمر ومن دون الخوض في تفاصيل اكثر، الشعوب العربية شعوب مستهلكة غير منتجة، ووصلت درجة عشقها للاستهلاك أنها تستورد حتى النظريات السياسية، ولا تملك شيئا خاصا بها.
***
لا أحد يتآمر على العرب، وإن كان من احد يتآمر على العرب فهو بعدهم عن التطور وبعدهم عن الاهتمام بالتنمية البشرية التي هي اصل كل حضارة، البلدان العربية بلدان نامية بل بلدان طارئة على الديموقراطية ليس على مستوى الحكومات فقط، بل على مستوى الشعوب بالدرجة الأولى، فالمشكلة لدينا في القاعدة، ومتى ما تم تعديل المشكلة التي تعاني منها قواعد الشعوب فسنتمكن من ان ننفض عنا غبار نظرية المؤامرة التي عششت في الرؤوس وسكنتها، وبعدها يمكن ان نضع أقدامنا على اول سكة قطار التنمية السياسية، لأنه ومن ابرز مظاهر سمات التخلف السياسي ان تنسب كل شيء سياسي تعجز عن تفسيره الى «نظرية المؤامرة».