آراءدولي

صقر يسأل:  هل هؤلاء مثقفون؟

محمود صقر
محمود صقر

محمود صقر:

هل هؤلاء مثقفون؟

هل من ينتحلون في بلادنا لقب مثقف، بل ويحتكرونه، هل هم مثقفون أصلاً؟!

وهل هؤلاء الذين يضعون السياسة الثقافية لمصر، مثقفون أصلاً؟!

وللإجابة عن هذا السؤال نجيب أولاً عن: من هو المثقف؟

والإجابة عن هذا السؤال واسعة فضفاضة سنحاول الإمساك بها من طرفيها: أي أوسع التعريفات وأضيقها.

البعض يرى أن فئة المثقفين تشمل كل المشتغلين بالفكر، مثل: المعلمين – المحامين – الإعلاميين – الكتاب – الفنانين…

والبعض وضع حدوداً دنيا لمؤهلات المثقف مثل: الوعي، والفهم، والتفكير الصحيح، وسعة الأفق.

وإذا طبقت هذه الحدود الدنيا من المؤهلات سيخرج كثيراً من المشتغلين بالفكر من دائرة المثقفين ويدخل بعض من يشتغلون بالأعمال البدنية كالعمال والفلاحين.

والبعض لا يراه مثقفاً حتى لو تحلى بهذه الحدود الدنيا إذا لم تنعكس هذه المؤهلات على سلوكه الشخصي وحركته في المجتمع.

والبعض لا يعطي لقب مثقف إلا لمن يقوم بدور الرسالة في قومه، فليس مثقفاً من لا يعرف مشكلات بيئته ومجتمعه ويقدم لها حلولاً، ويشعر بالمسئولية تجاه النهوض بمجتمعه والاستعداد للتضحية في سبيل ذلك.

إذاً نحن أمام تعاريف للمثقف تتسع لتشمل كثير من المشتغلين بالفكر النابع من فهم ووعي ووضوح رؤية وسعة أُفق، وصولاً إلى دور الرسالة التي تشبه دور النبي في قومه.

وأحياناً للخروج من هذا التباين في التعريف تجد كثيراً ما يتم إضافة صفة تعريف للمثقف.

فمثلاً تجد: مثقف ثوري مقابل مثقف تقليدي، ومثقف أصيل مقابل مثقف مُقلد، ومثقف حر مقابل مثقف السلطة… وهكذا.

وبما أن المثقف والثقافة من الألفاظ المستحدثة تعريباً لحالة نشأت في الغرب، إذاً لنعد إلى أصل تعريف المثقف نقلاً عن البيئة التي نُقل عنها اللفظ.

وننقل هنا ما ذكره المفكر المغربي الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه “المثقفون في الحضارة العربية”: عن المرجعية التاريخية والسياسية والفكرية للفظ “المثقفين “.

والتي ظهرت لأول مرة في بيان نشرته جريدة لورو الفرنسية عام 1898 بعنوان “بيان المثقفين” موقعاً من مجموعة من المثقفين الفرنسية من أمثال: إميل زولا وأناتول فرانس وغيرهم يطالبون فيه بإعادة محاكمة ضابط فرنسي من أصل يهودي تم محاكمته وإدانته عام 1894 بالتجسس لصالح ألمانيا، وأثبتت عائلته زيف الوثائق التي أدين بسببها واتجهوا إلى الرأي العام الفرنسي لدعم قضيتهم، فتبناها هؤلاء المثقفون.

بعد صدور البيان انقسم المجتمع الفرنسي معسكرين مؤيد (التجمع الجمهوري) ومعارض (الوطنيون) وبعد صراع تم إعادة محاكمة الضابط وتبرئته.

إذاً نحن هنا أمام تعريف المثقف (نقلاً عن بيئته الأصلية)، وهو ذلك الشخص الذي لا يكتفي بممارسة النشاط الفكري النابع من الوعي والفهم وسعة الأفق فقط، بل هو صاحب رسالة يبحث عن كشف الحقيقة، ويكون شجاعاً في الدفاع عنها مهما كلفه ذلك من صدام مع السلطة أيأ كانت.

والمثقف الحقيقي هو من تتحول عنده الأفكار (Ideas) إلى نماذج ومُثُل (Ideals) لا تفرق بين عقيدة وعقيدة أو لون ولون أو جنس وجنس أو توجه سياسي وآخر.

بمعنى أن المثقف هو ضمير المجتمع وهو المعبر عن آلامه وآماله، وحامل مشعل النور في سبيل البلوغ لنظام سياسي واجتماعي أكثر إنسانية وعقلانية.

بعد هذه الجولة في تعريف المثقف، آن لنا أن نعود إلى السؤال:

هل اليساريون والليبراليون الذين احتكروا لأنفسهم لقب “مثقف” مثقفون فعلاً؟

نظلمهم إذا قارناهم بالمعنى المجرد للمثقف!

إذاً بأي تعريف مصاحب للقب مثقف يمكن أن نصنفهم؟

أشد المنصفين سيقول عنهم “مثقف سلطة “.

ولكن إذا كان المتعارف عليه أن مثقف السلطة هو من يقوم بتبرير أفعال وسياسات السلطة.

فأنا أرى أن هذا اللقب قد تجاوزه هؤلاء.

إنهم يستحقون تعريفاً جديداً هو: “موظف دولة بدرجة مثقف”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى