Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
دولي

بنية الجيش الطائفي في سوريا

حماك- باسل محمد||

ظاهرياً لا توجد محاصصة طائفية في سورية لأي منصب فضلاً عن وجودها في قبول الطلاب الضباط، ودستوريا النظام السوري يجرّم الطائفية، لا وبل يمنع مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب أو تجمعات سياسية على أساس ديني أو طائفي.


إلا أنه في الواقع يمارسها بفعالية وبالأخص على مستوى المؤسسة العسكرية والأمنية، حيث يحتكر العلويون كافة المناصب القيادية في الجيش والأمن دون غيرهم من الطوائف في سورية، وعلى ذات النهج يحتكرون القبول في الكليات والمعاهد العسكرية، منذ الانقلاب الذي قاده حزب البعث في العام 1963، وفي أعقاب ” الانقلاب الذي قام له حافظ الأسد والمسمى الحركة التصحيحية التي أطلقها الرئيس حافظ الأسد في عام 1970. واستمر هذا النهج الذي يمارس بشكل خفي طيلة فترة حكم النظام السوري.

تابعنا في X

تأسيس الجيش السوري من الأقليات
إن نواةَ هذا الجيش تأسّست ما بعد احتلال الفرنسيين سورية، الذين أعلنوا عن افتتاحِ مكاتب “قوات الشرق الخاصة”، لتجنيدِ الشبّان، خصوصا من الأقليات، فالتحقت بها أعدادٌ كبيرةٌ من العلويين الذين ركزتْ فرنسا، بشكلٍ رئيسي، على انضمامهم إليها، كما انخرط بها شبّانٌ من الإسماعيليين والأرمن والأكراد والشركس، وبات عديدها جاهزاً عام 1921. وفي الحقيقة، وفّرت هذه القوات للشبّان العلويين عملاً ودخلاً مستقراً في ظلّ البطالة العالية في الجبل، بالإضافة إلى انفتاحهم الواسع على العالم الحديث، بعد قرونٍ من العزلةِ والتهميش. وكان الغرض من إنشائها استخدامَها قوّةً محليّةً ضاربة، للتصدّي لأيّ تحرّكٍ ضد الانتداب في أنحاء سورية كافة.

علونة الجيش في عهد حاظ وصلاح جديد
وما لبث أنْ ازداد عددُ أعضاء الأقليات في سلكِ الجيش السوري على حسابِ الأغلبية السنيّة، واستدعى هؤلاء عديدين من الضباط وصفّ الضباط، الذين تربطهم بهم أواصر عائلية أو عشائرية لتعضيد مراكزهم الجديدة التي حصلوا عليها بصورةٍ سريعةٍ في انقلاب عام 1963. وعلى الرّغم من أنّ رئيسَ البلاد، ورئيسَ المجلس العسكري، ووزيرَي الدفاع والداخلية، كانوا من السنة، فإنّ الضباط العلويين البارزين، أمثال صلاح جديد وحافظ الأسد، قد حظوا على الدوام بمساندةِ جماعاتٍ عسكريةٍ قويةٍ من الأغلبيةِ العلوية التي التفّت حولهم.


وأصبح اتهامُ الرئيس أمين الحافظ لرئيسِ الأركان صلاح جديد علنياً بأنّه يعمل على بناءِ كتلةٍ علوية طائفيةٍ داخل الجيش، الأمر الذي أدّى إلى نشوء كتلتين متنافستين عملت كلٌّ منهما لضمانِ بقائها: كتلةٍ سنيّةٍ التفت حول أمين الحافظ، وأخرى علوية التفت حول صلاح جديد وحافظ الأسد. وأدّى هذا الاستقطاب العلني والطائفي داخل الجيش السوري إلى وقوع انقلاب 23 شباط/ فبراير (1966)، فقُضي على أمين الحافظ بالسجن ثم بالنفي إلى لبنان عام 1967. بعدها تولى صلاح جديد منصبَ أمين عام مساعد للقيادة القُطرية لحزب البعث، أما حافظ الأسد فقد ترقّى من قيادةِ سلاح الطيران ليصبحَ وزيراً للدفاع.

كلّ هذا من خلف رئيسٍ مدني صوري لم يكن يملك من أمره شيئاً، هو نور الدين الأتاسي
وعلى الرغم من تقلُّد الضباط التابعين لطوائف دينية أخرى مهامَّ عسكرية عليا، فإنّ أغلبيةً علويةً تسيّدتِ المناصب المفصلية والحسّاسة في الدولة السورية، وكانت قادرةً على سحقِ أيّ مقاومةٍ أو انقلابٍ محتمل ضدّ النظام الحاكم، ليصبح هم الجيش هو الدفاع عن هذه الطائفة وتثبيتها في الحكم، بدلاً من حماية الوطن والدفاع عنه.

تسريح الضباط السنة
بعد انقلاب شباط عام 1966 بقيادة الضابطين العلويين صلاح جديد وحافظ الأسد تم تصفيةِ مزيدٍ من القياداتِ البارزة للضباط السنّة، ليزدادَ تمثيلُ أعضاء الأقليات الدينية مرّة أخرى، لكن هذه المرّة من دون توازنٍ واضح
.والتسريحات التي تمت كانت بالمئات استهدفت جميعَ الضباط من أبناء المدن الكبرى، حتىّ فرغتْ أسلحةٌ كاملة من ضباطها الرئيسيين، كسلاحِ الطيران، وسلاح البحرية، والآليات. كذلك اتُبعت الخطة نفسها حيال صفّ الضباط والجنود، حتّى أصبح من المتعارف عليه أنّ ألويةً كاملة، بأركان حربها وصفّ ضباطها وجنودها، وقفٌ على طوائف معينة، كاللواء السبعين واللواء الخامس مثلاً.
للنظام أهدافه التي لا تخفى على الكثيرين في حصر المناصب العسكرية والأمنية الحساسة بأشخاص أكثر ولاء للمنظومة التي وضع لها حافظ الأسد حجر الأساس، ليبث الانقسام بين فئات المجتمع السوري رغم ادعاءاته شعارات تكشف حجم النفاق والتناقض بين النظرية والتطبيق.

الضباط السنة بلا صلاحيات
وهيمنة العلويين على هذا الجيش تزداد مع الترقي في الرتب، وعند تقلد المسؤوليات الحساسة، فهم يشكلون غالبية قادة أجهزة الأمن وعناصرها، ومعظم قيادات الأسلحة الاستراتيجية كالطيران والصواريخ، فيما يقلد السنّة وبعض أبناء الطوائف الأخرى مناصب شكلية لإعطاء انطباع صوري بتوزيع ما للسلطة، لكن أولئك السنّة في المناصب القيادية، ليست لهم أي صلاحيات تقريرية، ويوكل أمر اتخاذ القرارات فعلياً لمعاونيهم أو نوابهم من العلويين.

جيش النظام بعد 2011
خلال سنوات الثورة ازداد المشهد الطائفي في الجيش عمقاً وحدّةً، فقد انحاز ضباطه بشكل علني الى نظام الطائفة، ولعبوا الدور الذي طالما أعدوا له، وهو القمع الوحشي لانتفاضة الشعب السوري السلمية، وقد مارسوا ذلك الدور من قبل في حماة عام 1982 عندما قتل نحو 40 ألفاً من سكان تلك المدينة على يد سرايا الدفاع التي يقودها رفعت شقيق حافظ الأسد.
مركز عمران للدراسات أصدر تقريراً عن الطائفية في جيش النظام أكد فيها أن سلسة القيادة والأوامر ضمن هيكلية الجيش والقوات المسلحة السورية، تأثرت بشكل كبير بعد العام 2011، وفق عدة متغيرات وعوامل على رأسها تدخل حلفاء النظام العسكري وأثره المتنامي يوماً بعد يوم، وبخاصة التأثير الروسي بشكل أكبر من الإيراني في بُنية الجيش والقوات المسلحة، ضمن دوائر تأثير رسمية وشبكات غير رسمية، الأمر الذي انعكس أحياناً بصيغة تجاوز الالتزام الرسمي بسلسلة القيادة والأوامر وكسر مركزيتها التقليدية، بشكل أدى إلى صعوبة فرض سيطرة كاملة وتحكم فعلي ببعض الوحدات العسكرية.
وبالرغم من تنامي التأثير الإيراني والروسي على المؤسسة العسكرية؛ إلا أن بشار الأسد كـ”رئيس للجمهورية وقائد عام للجيش والقوات المسلحة” ما زال يتحكم رسمياً بسلسلة القيادة والأوامر، لكن هذا التحكم الرسمي لا يعني السيطرة الكاملة على تعيينات سلسلة القيادة وتدفق الأوامر ضمنها، وقد يخضع للتوازنات مع الحلفاء بحسب ما تقتضيه الحاجة.

ماذا عن استهداف الكلية الحربية؟
تعتبر هذه الكلية التي تقع وسط سوريا في مدينة حمص الكلية الأم لكل الضباط في جيش النظام، فهي التي خرجت عتاة المجرمين والإرهابين مثل رفعت الأسد، وعلي دوبا، وسهيل الحسن، وماهر الأسد إلى غير ذلك من المجرمين، الذين سفكوا دماء الشعب السوري ونهبوا خيراته مستغلين صلاحياتهم المطلقة في هذا المجال.


واليوم يأتي استهداف هذه الكلية أثناء حفل لتكريم الطلاب الخريجيين في ظل أزمات خانقة تطوق النظام، منها تدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي في مناطق النظام، ومنها أيضاً انتفاضة السويدائ التي تدخل يومها الـ45 ، والتي يقف عاجزاً عن استخدام الحل الدموي ضدها، مثل ما استخدمه مع الطائفة السنية.
لذا لم يكن أمام النظام وإيران من حل سوى تدبير هذا الاستهداف لكسب الحاضنة الشعبية، التي بدأت أصواتها تعلو أكثر فأكثر.
وما يدعم هذا الرأي هو أن الاستهداف تم للكلية الحربية التي ينتمي أغلب منتسبيها إلى الطائفة العلوية ، التي يدعي النظام أنه يدافع عنها، وهو الذي حول شباب هذه الطائفة إلى وقود استخدمها للبقاء في السلطة، واستهداف في هذا التوقيت وفي هذا التجمع ورمزيته، سيدفع كما يخطط النظام لإلتفاف الطائفة حوله.


فالنظام هدف أيضاً من خلال هذا الاستهداف إلى القول إن (الإرهاب) يضرب أهم رمز من رموز الوجود العلوي في سوريا، هذا الرمز الذي يشكل مصدر عيش وحياة لهم، ومركز لتفريخ المجرمين الذين يمارسون دور الأسد أمام الشعب السوري، ودور النعامة أمام الاحتلال الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى