Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
منوعات

ولاية الفقيه.. البنية الهيكلية وتوريث المناصب

حماك ||

يرتكز دستور جمهورية إيران الإسلامية على مفهوم ولاية الفقيه، الذي يمنح الفقيه الإسلامي المتعلم ( الفقيه)– وهو رجل دين مكلف بتفسير الشريعة (الشريعة الإسلامية الإلهية)- مع دور المرشد الأعلى. يتمتع المرشد الأعلى لإيران بالسلطة الدينية والسياسية النهائية على جميع شؤون الدولة، ويحكم بشكل أساسي بالحق الإلهي. ولاية الفقيه، كما تمارس في إيران، هي ابتكار حديث في العقيدة الدينية الشيعية استناداً إلى أيديولوجية آية الله روح الله الخميني ، مؤسس الجمهورية الإسلامية. 

لقرون سابقة، كان المسلمون الشيعة يلتزمون تقليديًا بتفسير محدود للدين ولاية الفقيه، حيث كان رجال الدين مسؤولين عن تفسير وإدارة الشريعة الدينية، في حين كان الحكم من اختصاص السلطات العلمانية.

في عام 1970، نشر الخميني كتابه، الحكومة الإسلامية، داعيًا إلى نسخة مطلقة من ولاية الفقيه. ووفقاً لرؤية الخميني، فإن رجال الدين الشيعة ( العلماء) سوف يشرفون على إنشاء دولة إسلامية في إيران ويحكمونها، الأمر الذي يؤدي إلى توسيع نطاق دور العلماء إلى عالم الحكم العلماني تقليدياً. 

وقد بنى الخميني على أعمال المفكرين الإسلاميين السنة المعاصرين، مثل سيد قطب وأبو الأعلى المودودي، اللذين كان شكل حكومتهما الثيوقراطية بمثابة نموذج للجمهورية الإسلامية، كما تأثر بالمفاهيم الحديثة لسلطة الدولة القومية. وقال إن الدولة يجب أن تحكم بالشريعة.

وبما أن رجال الدين يتمتعون بالفهم الأعظم للشريعة الإسلامية، فمن الطبيعي أن يكونوا أوصياء على سلطة الدولة حتى عودة المهدي ، أو الإمام الغائب، وهو شخصية شيعية مخلصة. 

دعا الخميني إلى اختيار فقيه قيادي منفرد ، يتم اختياره من بين أولئك الذين وصلوا إلى أعلى مكانة بين رجال الدين الشيعة باعتباره مرجع التقليد المعترف به، ليكون بمثابة أعلى فقيه إسلامي.

 في ظل المذهب الشيعي الاثني عشري، وهو الشكل السائد للإسلام الذي يمارس في إيران، فإن المرجع هو رجل دين يحمل أعلى رتبة آية الله العظمى أو الإمام، والذي يرأس الحوزة العلمية .(حوزة دينية) ويتخذ القرارات المتعلقة بتفسير الشريعة وممارستها، والتي يلتزم بها أتباع ورجال الدين من الرتب الدنيا في الحوزات الخاصة بهم . 

يعمل المرجع كممثلين للمهدي على الأرض وهم مسؤولون عن وضع وتحديد معالم الفقه الإسلامي. في الخمينية، كان المرجع المعين بولاية الفقيه يعتمد أيضًا على ارتباطه بالإلهي لتوجيه سفينة الدولة، وممارسة السلطة الأرضية كنائب للإمام الغائب.

 وبينما شرع الخميني وأعوانه في تعزيز سلطتهم، قاموا بإعدام المئات من عملاء النظام السابق واليساريين والشيوعيين والعلمانيين والأكراد وغيرهم من عناصر المعارضة داخل التحالف المناهض للشاه.

وسرعان ما نفذ الخميني رؤيته للشريعة ، مؤكدا على “تطهير” المجتمع والجسم السياسي من التأثيرات السياسية والثقافية الغربية المتصورة. وشمل ذلك فرض حظر على الموسيقى والكحول، وإنفاذ القوانين التي تفرض حجاب المرأة، وفرض عقوبات قاسية، بما في ذلك الإعدام على جرائم الفجور الجنسي مثل الزنا والمثلية الجنسية، والنفور من الارتباط الثقافي أو التعليمي أو الاقتصادي مع الغرب.

إن العداء تجاه الغرب، وخاصة الولايات المتحدة، الذي لا يزال يشار إليه في كثير من الأحيان باسم ” الشيطان الأكبر “، وتصدير الثورة، من المبادئ التي تحدد الخمينية لقد صاغت إيران ثورتها الإسلامية باعتبارها حركة تحرير فوق وطنية للمسلمين المضطهدين من القوى الاستعمارية والتي تزعم أنها “المتغطرسة” الساعية إلى إخضاع الإسلام. 

داخل إيران، يعد المرشد الأعلى أقوى شخصية في البلاد ويسيطر على جميع أجهزة الدولة والسلطة الدينية. سعى الدستور الإيراني إلى إنشاء نظام حكم هجين يضم عناصر ثيوقراطية سلطوية وجمهورية؛ ومع ذلك، فقد تم تصميم النظام بحيث تكون العناصر الجمهورية خاضعة دائمًا لإرادة المرشد الأعلى. 

تابعنا في X

حسب دراسة أجراها المنتدى العربي لتحليل السياسة الإيرانية نوفمبر الفائت، بعنوان: توريث المناصب العليا في نظام ولاية الفقيه فقد اعتمد النظام الإيراني عقب ثورة 1979 على نمط يشبه نظام سلفه من ناحية شكل السلطة المتمثلة في توريث المناصب العليا في الدولة، محاولا من خلال تلك الآلية تثبيت دعائم حكم آيات الله وأبنائهم من بعدهم، وتكريس المناصب التنفيذية الرفيعة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية لحساب أبناء الطبقة الأوليجاركية الجديدة سواء الذين بقوا في الحوزة الفقهية أو حتى أولئك الذين فضلوا الانتقال من الحوزة إلى السلطة؛ انطلاقًا من كون آيات الله هم من حوّلوا مجرى الأمور في الدولة الجديدة، وقادوا الثورة ضد الأسرة البهلوية المازندرانية (1925 ـ 1979).

من المسلّم به أن الطبقة الحاكمة في إيران حاليا ـ المكونة من رجال الدين ـ تنظر إلى الثورة الإيرانية نظر مِلكية خالصة، فهم يرون أنهم هم الذين قادوا الثورة ضد الشاه محمد رضا بهلوي (1941 ـ 1979م) وأنهم هم الذين اعتمد عليهم قائد الثورة آية الله روح الله الموسوي الخميني (1979 ـ 1989) في تأليب المجتمع على الشاه، ويرون أنهم أصحاب النصيب الأكبر من قمع الشاه خاصة في العقدين اللذين سبقا الثورة، وبالتالي فإنهم وأبناؤهم أحق بتولي زمام السلطة ومفاصلها في طول البلاد وعرضها، وأنهم أجدر بالقيادة من دون غيرهم من الطبقات الأخرى في البلاد.

كما ترى طبقة رجال الدين تلك أنه لاستمرار الحكم واستتباب السلطة يجب عليهم الاستعانة بالمدنيين والعسكريين والتكنوقراط وتوظيف كل منهم في الموقع المناسب لإدارة البلاد وتطبيق رؤيتهم إزاء أصول الحكم، لكن هذه الطبقات الأخرى برغم جدارتها لتولي الإدارة في أمور المال والنفط والاتصالات وغيرها، إلا أنها تظل بالنسبة لرجال الدين بمثابة السكرتارية التي تطبق ولا تخطط، وتدير ولا تقود، ولا يمكن لها تولي القيادة في المناصب السيادية؛ لذلك يلاحظ المراقب للشؤون الإيرانية أن رجال الدين المعممين القادمين من الحوزة يجلسون من دون غيرهم على قمم أرفع المناصب الأمنية والإدارية مثل وزارة الاطلاعات أو وزارة الداخلية أو جهاز استخبارات الحرس الثوري أو غيرها من المناصب التي يديرها رجال الدين بأنفسهم.

وحسب الدراسة فإنه، لاستمرار تطبيق رؤية رجال الدين في إدارة البلاد ووضع السياسات العليا لها داخليا وخارجيا، فإنه يتوجب عليهم تعليم أبنائهم في الحوزة التي تخرجوا فيها، ثم إيفادهم في بعثات خارجية بجامعات الغرب والشرق للحصول على الشهادات الأكاديمية العليا، ومن ثم تأهيلهم لتولي السلطة من بعدهم، وهو ما حدث تمامًا في الأسر المسيطرة على المناصب العليا بالبلاد، بدءًا من مؤسس الجمهورية آية الله الخميني، وخليفته آية الله خامنئي، مرورا بعائلات لاريجاني وروحاني ورئيسي وخالخالي وغيرها.

كما ساهمت عدة منطلقات أيديولوجية تأسيسية في رسم السياسة الإيرانية الجديدة عقب ثورة رجال الدين أو آيات الله في إيران، والتي انطلقت من الحوزة الدينية في قم ومشهد وأصفهان، وأحدثت تلك الأيديولوجيات فورانًا هائلًا في شكل السياسة الإيرانية الجديدة منذ 1979، وحتى تلك اللحظة، بما ساهمت به من تشكيل جديد لشكل السلطة الهرمي وما تلاه من محاولات لتوريث ذلك الشكل لأبناء آيات الله، اعتمادًا على نجاحهم الكبير في هدم نظام وإقامة نظام بديل له.

وأفرز ذلك التموضع الجديد لرجال الدين منصة رأوا من خلال إطلالتهم عليها أنه لا يجوز أن تتسع الدائرة حول السلطة أو المناصب العليا في الدولة لتشمل أشخاصًا آخرين غير هؤلاء الذين اعتبروا أنفسهم سدنة الدين وحماة عرين السياسة في ثوبها الجديد تحت سطوة رجال الدين وسلطتهم، فعكفوا على السلطة والحكم تحت راية نظرية “ولاية الفقيه” التي دشنها الخميني وأقنع بها من حوله من رموز الحوزة الدينية الذين رسموا المشهد السياسي في ذلك الوقت ليكون مفصلًا على قياس الخميني وأتباعه من رجال الدين.

دشن آيات الله بزعامة الخميني وخامنئي من بعده مشهدًا فكريًا وسياسيًا للسلطة بحيث لا يخرجون من ذلك المشهد بشكل نهائي ولا يمكن نزعهم منه إلا بخروج اجتماعي ضخم، واعتمدوا من خلال تثبيت ذلك المشهد على ظاهرة توريث المناصب لأبنائهم وذويهم ممن تخرجوا في الحوزة الدينية التي أصبحت بمثابة المؤهل الفكري والسياسي لتولي المناصب التنفيذية العليا في الدولة الإيرانية الجديدة بعد أحداث شتاء 1979.

عمل آيات الله على إحداث نوع من التشابه بين الثيوقراطية السياسية والملكية الإمبراطورية، فاستخدموا الحوزة الدينية في قم ومشهد للترسيخ لفقه السلطة؛ فأصبح اقتران الابن بالحوزة الدينية هو الطريق إلى السلطة والمناصب العليا والتنفيذية، بداية من منصب المرشد رأسًا وحتى أصغر مسؤول تنفيذي في الدولة الإيرانية.

ولقد تسببت تلك الحالة باحتدام الجدل الدائم حول مصير موقع السلطة الدينية التي يأتي على رأسها المرشد الأعلى علي خامنئي، حيث تثار التكهنات من وقت لآخر عن سعي خامنئي لتوريث منصب المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية لنجله مجتبي، الذي يسيطر على بيت القيادة، وهو ما أثار الكثير من الجدل بين الأوساط السياسية والفكرية في إيران، وأظهر نوعًا من الارتباك حول فكرة التوريث التي حاربها آيات الله أنفسهم عندما ثاروا على الملكية، ما أوقعهم في شراك التناقض السياسي أمام الرأي العام الداخلي والخارجي سواء بسواء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى