أمين معلوف في قمة “الخالدين”.. ماذا يعني ذلك؟
اليوم الخميس 28 سبتمبر/ أيلول، انتخبت الأكاديمية الفرنسية الكاتب أمين معلوف سكرتيرا دائما (أمينا عاما) لها، في الجولة الأولى بأغلبية 24 صوتا مقابل 8 أصوات. وبهذا يخلف معلوف السيدة كارير دانكوس، التي توفيت في 5 أغسطس/ آب الماضي عن عمر 94 عاما، وهي التي شغلت هذا المنصب لمدة ربع قرن تقريبا. فحسب قوانين الأكاديمية، يُمنح هذا المنصب لصاحبه مدى الحياة.
وبهذا يكون معلوف هو السكرتير الثالث والثلاثون منذ تأسيس الأكاديمية الفرنسية عام 1634، وبذلك ينضم إلى سجل من “الخالدين” الذين شغلوا هذا المنصب الهام، منهم: عالم الرياضيات دالمبير، جورج دوهاميل، موريس جونيفوا، موريس درون وغيرهم.
في عام 1986، دخل كاتب فرنسي – لبناني شاب إلى “القبة” (هكذا توصف الأكاديمية الفرنسية) للمرة الأولى، وكان عمره 37 عاما. لقد جاء ليتسلم جائزة أدبية اختفت اليوم، هي جائزة بول فلات، عن روايته “ليون الأفريقي”. وعدَه السكرتير الدائم في ذلك الوقت، موريس درون، بأنه سيحصل يوما ما على مكافأة أكبر من الأكاديمية.
استقبل الكاتب هذا الفأل بابتسامة. كان يترأس الجلسة حينها رجل اسمه كلود ليفي شتراوس، والذي لم يكن الكاتب نفسه يعلم بالطبع أنه سيخلف كرسيه في الأكاديمية، بعد خمسة وعشرين عاما. واليوم، يتحقق وعد موريس درون. لم يتوقف طموح معلوف عند هذه العضوية فقط، ونيل لقب “خالد” مدى الحياة، ولكنه مضى قدما في ترسيخ حضوره ومكانته داخل هذه المؤسسة العريقة، وقرّر أن يترشح لأهم منصب فيها.
هكذا، لم يكن غريبا أن يحظى أمين معلوف بتقدير الجميع تقريبا ودعمهم في الأكاديمية، منذ إعلان ترشيحه لمنصب السكرتير الدائم، وظلّ المترشح الوحيد الذي عليه شبه إجماع حتى آخر لحظة من انتهاء موعد وضع الترشيحات. وقد وضعته هذه الانتخابات في مواجهة صديقه الكبير الكاتب الفرنسي جان كريستوف روفان، الذي تردّد طويلا قبل أن يدخل غمار المنافسة على المنصب، إذ أنه لم يقدّم ترشيحه إلا يوم الاثنين الماضي 25 سبتمبر/ أيلول.
ومن غريب الصدف أن روفان كان هو من ألقى خطاب الترحيب بقبول عضوية أمين معلوف في الأكاديمية عام 2011، وأثنى عليه بهذه الكلمات”: “أنت رجل يكتب أدبا رائعا ويظهر في جميع المناسبات.
الكثير من اللطف والاحترام لمن يخاطبه”، قبل أن يضيف: “أحيانا لدي انطباع بأن أحلامنا قد تحققت، لقد صرنا أكثر من أصدقاء، إخوة”. وكان جان كريستوف روفان، الدبلوماسي السابق ذو الـ 71 عاما، والحائز على جائزة غونكور لعام 2001 عن روايته” برازيل حمراء”، قد انتخب عضوا في الأكاديمية في عام 2008.
اقرأ: هجرة أرمينية من إقليم قره باغ المتنازع عليه
ماذا يعني؟
لكن، ماذا يعني انتخاب أمين معلوف سكرتيرا دائما للأكاديمية الفرنسية؟ وهل سيكون لديه الوقت الكافي للقيام بعمله الجديد؟ لا شك أن هذا المنصب أكثر من مجرد وظيفة بدوام كامل، فهي تحتاج للتفرّغ بشكل دائم، وهذا ربما على حساب الوقت المخصّص للإبداع والكتابة، وأكيد أننا لن نستمتع كثيرا بروايات أو كتب فكرية جديدة بتوقيع أمين معلوف، على الأقل في المستقبل المنظور.
يؤكد الكاتب دانييل روندو، الذي يشغل الكرسي الثامن منذ عام 2019 أن الأكاديمية الفرنسية “هي تركيز للروح الفرنسية، لذلك يجب على السكرتير الدائم أن يكرس كل وقته لها”. إنه عمله يتمثل في الحفاظ على وحدة المؤسسة التي تضم 40 شخصية “خالدة”، والحرص على تجديد الأكاديميين الراحلين باستقطاب مرشحين ذوي قيمة، وعدم إهمال جميع الأعمال اليومية. ومن بين المهام الأخرى، سيكون أمين معلوف مطالبا بوضع اللمسات الأخيرة على الطبعة التاسعة من قاموس الأكاديمية، التي أوشكت على الصدور بعد سنوات طويلة من التحضير والمراجعة.
أما المهمة الأصعب فتتمثل في إعادة التوازن وضمان الاستدامة المالية للأكاديمية، وهي غير مضمونة وفقا لتقرير ديوان المحاسبة لسنة 2021، فالأكاديمية الفرنسية، كغيرها من فروع المعهد الفرنسي، تعاني من وضع مالي حرج، لأنها تعيش فقط على عائدات أصولها المالية، وعلى الهبات والوصايا.
التحدّي الآخر سيكون خلافة الشخصية الكاريزمية لهيلين كارير دانكوس، والأمرلن يكون سهلا. فقد جمعت هذه السيدة بين العديد من الصفات: كانت منخرطة جدا في العمل الإداري، واهتمت دائما بالقضايا اللغوية، ولعبت دور البوصلة، كما حافظت على صداقة حقيقية مع كل الأكاديميين. ولعل الرهان الكبير في الفترة المقبلة سيكون تجديد و”تأنيث” الأكاديمية، وهو هدف طويل الأمد، ومن الصعب جدا تحقيقه.
فعلى مدى ما يقرب من أربعة قرون، انتخبت 11 امرأة فقط، ست منهن يشغلن مناصب حاليا، ما كرّس الصورة الذكورية المتوارثة لهؤلاء الخالدين. في عام 1760، اقترح الأكاديمي دالمبير تخصيص أربعة مقاعد للنساء، لكن اقتراحه رفض بشدة. وكان يجب انتظار عام 1980، لتنتخب الكاتبة مارغريت يورسينار كأول امرأة أكاديمية، ولم يتم هذا الانتخاب آنذاك من دون صعوبة. كما أنه، بعد قرون من المعارضة، وافقت المؤسسة، في عام 2019، على تأنيث أسماء بعض المهن: عامل(ة) السكك الحديدية، مفتش(ة)، نائب(ة)، طبيب(ة).
والطريف أن الأكاديمية، التي ينتقدها كثيرون على روحها المحافظة، ما زالت ترفض تأنيث مصطلحي “خالد” و”أكاديمي” في قواميسها، إلى درجة أن السكرتيرة الدائمة السابقة هيلين كاريردانكوس، التي انتخبت عام 1999 كأول امرأة في هذا المنصب، كانت تصر هي نفسها على أن يخاطبها الجميع بلقب “السيدة السكرتير الدائم”، بصيغة المذكر وليس المؤنث!
من جهة أخرى، سيواجه أمين معلوف إشكالية كبيرة، تتمثّل في تجديد خمسة مقاعد شاغرة (من أصل 40 رسمية)، علما أن الأكاديمية تضع شروطا “صعبة جدا” للانضمام إليه، ما جعلها لا تقبل في الغالب سوى الأدباء “المتقاعدين” أو المتقدمين في السن، وترفض دائما الكتاب الشباب أو المصنّفين ضمن مؤلفي “الأدب الشعبي”، أو أولئك الذين تحقق أعمالهم أعلى المبيعات في سوق الكتب.
ما هي الأكاديمية الفرنسية؟
تأسّست الأكاديمية الفرنسية عام 1635 على يد ريشيليو، “رئيسها وحاميها”. واليوم، يضطلع بهذه الرعاية رئيس الدولة. أما مهمتها الرئيسة فهي العمل على “إرساء قواعد معينة على اللغة الفرنسية وجعلها نقية، فصيحة، قادرة على التعامل مع الفنون والعلوم”. كما تقوم الأكاديمية بإعداد قاموس اللغة الفرنسية وإقرار قواعد الإملاء. أما اللغة التي تدافع عنها فهي تقع بين “ضرورات الاستخدام واحترام القواعد” .
وخلال أربعة قرون، أصدرت المؤسسة ثمانية قواميس، وفي كل نسخة تضاف آلاف الكلمات والمصطلحات الجديدة التي تواكب التطور وروح العصر.
يعود تاريخ أول قاموس إلى عام 1694، والأخير إلى عام 1930. ومنذ عام 1986، تنشر الأكاديمية طبعتها التاسعة تدريجيا. وفي يوليو/ تموز الماضي، أكمل “الخالدون” فحص كلمات هذه الطبعة التاسعة، أي ما يقرب من ضِعف عدد كلمات الطبعة الثامنة.لكن تطوّر الأبحاث المعجمية وظهور علم اللغة الحديث، وانتشار العديد من القواميس الأخرى، وإنشاء لجان مسؤولة عن الدفاع عن اللغة الفرنسية، قد حدَّ من تفوق الأكاديمية في هذا الميدان، من دون أن يفقدها طبعا الريادة والحضور القوي في المشهد اللغوي الفرنسي، سواء بالنسبة إلى النظام التعليمي أو لدى ممتهني الكتابة والصحافة.
التحدّي الآخر سيكون خلافة الشخصية الكاريزمية لهيلين كارير دانكوس، والأمرلن يكون سهلا. فقد جمعت هذه السيدة بين العديد من الصفات: كانت منخرطة جدا في العمل الإداري، واهتمت دائما بالقضايا اللغوية، ولعبت دور البوصلة، كما حافظت على صداقة حقيقية مع كل الأكاديميين. ولعل الرهان الكبير في الفترة المقبلة سيكون تجديد و”تأنيث” الأكاديمية، وهو هدف طويل الأمد، ومن الصعب جدا تحقيقه.
فعلى مدى ما يقرب من أربعة قرون، انتخبت 11 امرأة فقط، ست منهن يشغلن مناصب حاليا، ما كرّس الصورة الذكورية المتوارثة لهؤلاء الخالدين. في عام 1760، اقترح الأكاديمي دالمبير تخصيص أربعة مقاعد للنساء، لكن اقتراحه رفض بشدة. وكان يجب انتظار عام 1980، لتنتخب الكاتبة مارغريت يورسينار كأول امرأة أكاديمية، ولم يتم هذا الانتخاب آنذاك من دون صعوبة. كما أنه، بعد قرون من المعارضة، وافقت المؤسسة، في عام 2019، على تأنيث أسماء بعض المهن: عامل(ة) السكك الحديدية، مفتش(ة)، نائب(ة)، طبيب(ة).
والطريف أن الأكاديمية، التي ينتقدها كثيرون على روحها المحافظة، ما زالت ترفض تأنيث مصطلحي “خالد” و”أكاديمي” في قواميسها، إلى درجة أن السكرتيرة الدائمة السابقة هيلين كاريردانكوس، التي انتخبت عام 1999 كأول امرأة في هذا المنصب، كانت تصر هي نفسها على أن يخاطبها الجميع بلقب “السيدة السكرتير الدائم”، بصيغة المذكر وليس المؤنث!
من جهة أخرى، سيواجه أمين معلوف إشكالية كبيرة، تتمثّل في تجديد خمسة مقاعد شاغرة (من أصل 40 رسمية)، علما أن الأكاديمية تضع شروطا “صعبة جدا” للانضمام إليه، ما جعلها لا تقبل في الغالب سوى الأدباء “المتقاعدين” أو المتقدمين في السن، وترفض دائما الكتاب الشباب أو المصنّفين ضمن مؤلفي “الأدب الشعبي”، أو أولئك الذين تحقق أعمالهم أعلى المبيعات في سوق الكتب.