الكندري:«خان» ومدارس الحكومة


بقلم / عبد العزيز الكندري
أكاديمية «خان» هي مؤسسة تربوية غير هادفة للربح تم إنشاؤها في عام 2006، من قبل سلمان خان، وتهدف إلى «توفير تعليم عالي الجودة لأي أحد وفي أي مكان»، ويوفر موقعها على الإنترنت أكثر من 3600 محاضرة صغيرة عبر فيديوهات مخزنة على موقع يوتيوب لتدريس الرياضيات، والتاريخ، والتمويل، والفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفلك والاقتصاد. وكانت بداية القصة في عام 2004، عندما بدأ خان بتدريس مادة الرياضيات لأقارب له عبر الإنترنت، وعندما زاد طلب الأقرباء والأصدقاء للمساعدة، قرر توزيع الدروس على موقع يوتيوب، وأنشأ موقعا عاما على اليوتيوب في 2006، وبعد ذلك قرر «خان» ترك وظيفته والتفرغ للأكاديمية. واليوم تعد أكاديمية «خان» من المواقع العالمية، حيث تقوم بتوفير التعليم لطلبة العالم، وقد حققت أكثر من 40 مليون زائر، وقد ترك «خان» أسلوب المدرس الذي يشرح الدرس على السبورة بتقديم المحتوى بطريقة توحي بالجلوس بجانب الطالب والعمل معه على حل المشكلة، فلا يرى الطالب وجه المدرس إنما يرى كتابته ورسوماته البيانية على السبورة الإلكترونية والفيديوهات التعليمية، إذ بينت الدراسات والمشاهدات أن هذه الطريقة هي أكثر الطرق فعالية للتعليم، وبذلك يستطيع الطالب إعادة تشغيل الفيديو حتى يستوعب الموضوع بلا خجل، وأحدث خان تحولا وثورة حقيقية في العملية التعليمية حول العالم. ويقول الدكتور وليد فتيحي في مقاله «نحو نهضة في التعليم»: أحدث خان هذا التحول لأنه انتقل من التعليم التقليدي التلقيني إلى التعليم التفاعلي النشط الذي بينت الدراسات أنه يزيد من استيعاب الطلاب للمادة بنسبة تتعدى خمسين في المئة، نظرا لقدرته على تفعيل أجزاء الدماغ المسؤولة عن الفهم والحفظ بطريقة أكثر فعالية، وذلك لانسجامه مع الطريقة الطبيعية الفسيولوجية لانتقال المعلومات في أجزاء الدماغ في عملية التعلم. ويتطلع خان لأن يجعل من أكاديميته المدرسة الافتراضية الأولى المجانية في العالم، إذ يتاح لأي إنسان أن يتعلم ما يريد بالمجان، وقد استحق خان بذلك أن تصنفه مجلة «التايم» كواحد من مئة شخصية عالمية أثرت بفعالية في حياتنا المعاصرة. ولكن من المحزن اليوم هو ما نشاهده من تصرف أولياء الأمور تجاه الطلبة، وهو عدم حرصهم على التعليم وتشجيعهم على الغياب، خصوصا قبل الإجازات وبعده، ما عدا بعض المدارس الخاصة التي كانت حريصة على الاستمرار بالمنهج الدراسي والحض على عدم الغياب، ولو أن أولياء الأمور دفعوا أموالا مقابل ذهاب أبنائهم للمدارس لما كان هناك غياب بهذه الصورة. ما يقوم به أولياء الأمور في أيامنا هذه هو أخطر الأمور على مستقبل الأبناء، وهو حضهم على عدم الذهاب للمدارس قبل وبعد العطل الرسمية، سيكبر الطالب على هذا المبدأ، فلن يكون له حب للعمل أو الطموح أو الإنجاز والهمة العالية، إن أولياء الأمور يهدمون مستقبل أبنائهم بمعاول العادات والتصرفات الخاطئة السيئة. إن كل تقدم الدول والأمم في عصرنا الحالي كان نتيجة اهتمامهم بالتعلم وباللغة الإنكليزية مثل ماليزيا وسنغافورة وغيرهما من الدول، وبعض الدول الأجنبية مستوى المدارس الحكومية فيها أعلى من المدارس الخاصة بسبب شعور الحكومات الأجنبية بأهمية التعليم، ومن دون تعليم حقيقي وجاد فلن تكون هناك تنمية سليمة، فالعنصر البشري هو من أهم عناصر التنمية. ولعل البعض شاهد صورة المعلم الذي يعلم مجموعة من الأطفال في الهواء الطلق باليابان، وذلك بعد شهر واحد فقط من إلقاء القنبلة الذرية في 6 أغسطس من عام 1945، ما يدل على روح الإصرار والعزيمة ومواجهة التحديات أيا كان شكلها. يجب أن تعي الحكومة أن الإنسان هو الكنز الحقيقي، ويجب الاستثمار به، لأننا في أمس الحاجة لاقتصاد المعرفة في زمن انخفاض النفط. akandary@gmail.com