Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
منوعات

يامدير الاقتصاد الوطني! قل لي: من أين أصبحت غني؟

أحمد رياض جاموس||

يا مدير الاقتصاد الوطني
قل لي: من أين أصبحت غني؟
لم تسافر لم تهاجر لم ترث
عن أبيك …….. غير الرسنِ

كان قديما يقال بأن رجل الدولة الفاسد يخبئ سرقاته ولا يودعها البنوك ولا يترك أثرا للتساؤل من أين لك هذا، حتى لا يفتضح أمره. أما الآن على العكس تماما، ترى قصرا شاهقا على إحدى التلال فتسأل لمن؟ فيقال للمسؤول الفلاني.. لمن هذه السنة؟ لصاحبنا ذاته..
أصبحت مظاهر الترف مفضوحة وكان لسان حاله: أنا اللص الهمام الذي لا يشق لي غبار.. افعلوا ما شئتم.
ولنا في الشمال السوري أسوة سيئة..
هذا قيادي كان قبل الثورة بائعاً صغيراً، واليوم تشهد مشاريع استنابول جهاده وبطولاته خلال سنوات الثورة..

بكل الأحوال في المجتمعات التي تعيش بيئات خصبة بالفساد يبقى المتنفس الوحيد لهذا الكبت والطغيان الفاحش، هو النكت السياسية الساخرة، والرسومات الكاريكاتورية المشفرة، والشعر الساخر الغامز.
يذهب الشاعر “عبد الحميد الديب” وريث الصعاليك كما يلقب، والذي عاش حياة فقيرة، محاربا التجار الذين يجب محاربتهم قبل العدو الأجنبي، فما الفرق بين مقتول في ساحات الوغى، وميت بسبب قسوة التجارة، وشدة الغلاء،؟!! اللهم إن القاتل في ساحات الحروب يتسلل ليلاً للوصول إلى هدفه، بينما يَقتل التاجر الجشع الناس جهاراً ونهاراً، لهذا فهو عدو وجبت محاربته، وهو خائن وصم نفسه بالعار، يقول الديب:

قبل الأعادي حاربوا التجارا لا تتركونا للغلاء أسارى
سيان: من طعم الغلاء يعيشه ومن اصطلى بين القتال النارا
والقاتلان اثنان: عادٍ في الدُّجى أو تاجرٌ قتل النفوس نهارا
ومن اغتنى من جوع تعبٍ جاهدٍ. وَصَم الخيانة نفسه والعارا
من ذا نحارب؛ إنها لمصيبة أخصومنا الحمقى؟ أم التجارا؟!

في الأردن، كان التجار ينهكون الناس والفلاحين بجشعهم يتعاملون بالربا مع الفقراء.
كان شاعر الأردن “مصطفى وهبي التل”، الملقب عرار في تلك الفترة يشغل منصب (مأمورية الإجراء في إربد)
فحارب المرابين حرباً لا هوادة فيها وتحداهم في نفوذهم وأهمل قضاياهم وحرض المدينين على ألا يدفعوا ديونهم..

تكتل المرابون على عرار الذي عرف بمناصرته للبسطاء والفلاحين، وراحوا يكيدون له الدسائس ويرفعون الشكاوى إلى وزير العدل الذي أرسل بمفتش العدلية إلى إربد للتدقيق في القضايا التي أهمل عرار تنفيذها ووجه إليه الأسئلة التالية:

السؤال الأول:
إلى السيد مصطفى.. لوحظ أنكم لم تنفذوا الحكم في القضية الإجرائية رقم كذا تاريخ كذا فما سبب ذلك؟

كان جواب عرار مضحكا وغريبا:
هب الهوا يا ياسين…يا عذاب الدرّاسين

السؤال الثاني:
لوحظ أنكم لم تنفذوا الحكم في القضية الإجرائية رقم كذا تاريخ كذا فما سبب ذلك؟

أجاب عرار بشكل غريب مرة أخرى: يا حمرا يا لوّاحة …لونك لون التفاحه!

والحمرا: كناية عن الكديشة التي تدور حول لوح الدّرّاس.

السؤال الثالث: لوحظ أنكم لم تنفذوا الحكم في القضية الإجرائية رقم كذا تاريخ كذا فما سبب ذلك؟

أجاب عرار: هبّ الهوا يا حنيني… صار الظعن ظعنيني!

تسلم وزير العدل هذه الأجوبة الساخرة فتوجه مباشرة إلى إربد ليسأل عرار عما يعنيه بالزجل الشعبي الذي اعتمده في رده.

فقال عرار:” تريدون مني أن أنفذ أحكاماً إجرائية بحق فلاحين طفارى والفصل شتاء!
والفلاح لا يغنّي مثل هذه الأغاني الزجلية إلا وهو فرِح مسرور في فصل الصيف، فصلِ الحصاد والكيف، فهال المرابين أن يصبروا إلى أن يحل الصيف؟!!
إذا جاء الموسم خصباً نفذنا الأحكام وإلا فليبلطوا البحر!”

قال عرار هذا وخرج غير مبال بالسائل ومكانته..
وهنا لم ير الوزير بداً من نقله مأموراً لإجراء عمان، فانتقل إلى عمله الجديد وألفى مكتبه مكتظاً بالمرابين فوقف فيهم خطيباً وعلى مسمع المسؤولين:
يا قساة القلوب.. يا غلاظ الأكباد!

تمثلوا بقولي:
كم مجرم باسمك يا قانونُ
عزّ وذو حقٍ هو المغبونُ!
وكم بريء دارت الظنون
به، فلم تحمه يا قانونُ

فغضب المرابون وغضب معهم الوزير وغضبت الدولة كله، فرد عرار بقصيدة “إخواني الصعاليك”:

قولوا لعبّود علّ القول يشفيني
إنّ المرابين إخوانُ الشياطين[وعبود: هو الشيخ عبود النجار شخصية يحب عرار مداعبتها والهروب من التصريح إليها ]

فذا يقول: غريمي كيف تمهله ؟
وذاك يصرخ: لم تحبسه مديوني ؟

كأنّما الناس عبدان لدرهمهم
وتحت إمرتهم نصّ القوانين !

أأسجن الناس إرضاء لخاطركم
وخشية العزل من ذا المنصب الدّون ؟!

أم رغبة في تقاضي راتب ضربوا
نقوده من دماء في شراييني ؟

إنّ الصعاليك إخواني وإنّ لهم
حقا به لو شعرتم لم تلوموني

إنّ الصعاليك مثلي مفلسون وهم
لمثل هذا الزمان ” الزّفت ” خبوني

(فبلطوا البحر) غيظا من معاملتي
وبالجحيم إن اسطعتم فزجوني

فما أنا راجع عن كيد طغمتكم
حفظا لحق (الطفارى) والمساكين

ولعل حزن الشيطان من كثير من المسؤولين وجفوته منهم هو كتابة “هذا من فضل ربي” على أبواب مزارعهم وعقاراتهم كما سرت العادة، متجاهلين فضل الشيطان.

المصدر: رسالة بوست

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى