Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
آراءمحلي

العتيقي: لحظات في قصر العدل

صلاح العتيقي
صلاح العتيقي

د. صلاح العتيقي:

القاضي يدخل القاعة، فيقف الحضور. السكون يخيم على المكان خوفا ورهبة. يشير اليهم بالجلوس. قاعة المرافعة فسيحة، ديكورها جميل وخشبها من الصاج المائل للسمرة يعطي فخامة للمحكمة. «المحلفين» على جانب والادعاء على الجانب الاخر، والحضور في المقاعد الخلفية بكامل اناقتهم. المحامون يتنقلون ويتناقشون امام القاضي ويفحمون بعضهم بعضا ويكرون ويصولون والناس مشدوهة لهذا المنظر، هذا ما نراه في المسلسلات الاميركية.

كانت هذه الصور في وجداني، الى ان رأيتني في يوم من الايام ادخل المحكمة او ما يدعى بـ«قصر العدل» وليس به من فخامة القصور شيء غير الاسم. دخلت كشاهد، رأيت مناظر غريبة تختلف عن المسلسلات؛ الناس جالسون بالممرات، والمحامون يتخطرفون بأروابهم السوداء فوق الدشداشة البيضاء، كل واحد يحمل ملفا مزدحما بالقضايا. الرول على الجدران يحمل من القضايا العشرات. كيف لهذا القاضي أن يقرأ ويبت في كل هذه الدعاوى؟ رأيت كماً من البشر يسيرون على غير هدى، بعضهم ترى ذهولا على وجهه. أسمع صراخا في الجانب الاخر. احد الجالسين بجانبي رجل يبدو عليه الهدوء قفز من امامي فجأة وامسك بتلابيب رجل اخر وبدأت معركة دخلا على اثرها الى احدى غرف المرافعة الخالية من الناس! احدهما يخرج وقد فقد غترته وعقاله وهو يقول لي: لقد شهدت، انه قد ضربني، ارجوك ان تأتي معي للشهادة على اخي، مرددا امامي الاية الكريمة «من يكتم الشهادة فانه آثم قلبه» ومحملني وزر معركة لم اعرف تفاصيلها! يا اخي «حل عني»، لقد اتيت للشهادة في قضية أخرى وأنت تريد ان تدخلني في متاهة! ولكن ما هي قصتك؟ قال: لقد ورثنا بيتا، وأخي يريد الاستيلاء عليه.

تركته ودخلت القاعة بعد أن حل موعدنا وجلست بين الحضور. غرفة صغيرة ليس بها ما يوصف، وقبل أن أتمعن فيها سمعت صرخة الحاجب: محكمة! صرخة تجلجل الحاضرين. هم أصلا «دايخين» و«مخلخلين» من قبل أن تبدأ المحاكمة! فكل واحد له قضية يرجو ان يكسبها وقلبه يدق فزعا. دخل القاضي وبدأ النداء على الحضور.. شكثر قضايا؟ الناس بتاكل في بعضها! ايجارات، نفقة، طلاق، عدم ترقية، نزاع على ارض، حوادث سيارات، قضايا رأي عام. الله يعين القاضي الذي ينظر هذه القضايا. الناس فاضية لجرجرة بعضهم بعضا. صحيح المثل القائل «لو انصف الناس لاستراح القاضي». قضيتي احيلت للخبرة لانها فنية. خرجت من المحكمة وحمدت الله على انني لم ازاول المحاماة ودخول هذا المعترك بالرغم من حصولي على شهادة الحقوق منذ 30 سنة تقريبا.

في البلاد المتحضرة، هناك مهن تحتاج إلى صفاء ذهن ومعاملة خاصة كالأطباء والقضاة ووكلاء النيابة، بحيث توفر لهم الإمكانات للعمل في جو مريح يسوده الاحترام والهدوء. الآن بعد اقرار قانون استقلال القضاء نرجو ان تتغير الحال.

المصدر – القبس:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى