بقلم : مهندس / محمود صقر:
هل مللت ممن حولك من الناس ؟ … هل ترى أن إحسانك يُقابل بالإساءة ؟ … هل تريد لهم الرشد ويريدون لك الغواية ؟. هل فكرت في اعتزال الناس ؟… أو العيش معهم وكأنك لست منهم؟! هل وصلت رؤيتك لهم كرؤية المتنبي لنفسه أنه ذهب وسط عالم من التراب ؟. وما أنا منهم بالعيش فيهم ولكن معدن الذهب الرغام. سيدنا يونس فكر فيما تفكر فيه ، يأس من أن يصلح قومه ، رأى أنه استفرغ الجهد في نصحهم ، وقابلوه بالجحود والنكران والإساءة . فذهب من بينهم مغاضباً ، وقرر أن يتركهم ويعتزل أهله وعشيرته ، ركب البحر للمجهول ، طمعاً في العزلة والبعد عن الناس . إذاً أنت تريد العزلة يا يونس !! …حسنا !! … خذ ما تريد وفوق ما تريد. سيبتلعك الحوت في البحر لتعيش في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، والبحر، وبطن الحوت. !! هل رضيت يا يونس !!.. ها أنت في عزلة لم يعشها أحد من قبلك. لا لا لا !!.. أريد العودة للحياة ..، أين الناس ؟! .. ” لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين “. فاستجاب له ربه بعد أن علمه الدرس ، وأرسله من جديد إلى مائة ألفٍ أو يزيدون ، ليستأنف حياته وسط الناس ، فجحيم عشرتهم وتحمل صدودهم ، هو جنة إذا قيست بالعزلة . هل وصلتك الرسالة يا من مللت الناس ؟ الناس في أمثالهم الشعبية يقولون: ” جنة من غير ناس ما تنداس “. مثال صادق يتماشي مع قول الله تعالى: ” ونزعنا ما في صدورهم من غلٍ إخواناً على سرر متقابلين ” . نعم : ما قيمة جنة بغير إخوان وأصدقاء !!. بل إن من أشد عذابات أهل النار: ” فما لنا من شافعين ولا صديقٍ حميم ” ياااه ..حتى أهل النار يتمنون الصديق !!.. نعم: ما قيمة الحياة بغير علاقات إنسانية ؟!. حتى طلب الخلد الذي أغوى آدم بالخروج من الجنة يرفضه أبو العلاء المعري إن كان ثمنه الوحدة . ولو أني حُبيت الخلد فرداً لما أحببت بالخلد انفرادا. يا باحثاً عن الحب والصداقة ، أطلق العنان لمشاعرك ، وستجد حتماً فيمن حولك من يستحق تلك المشاعر الصادقة . يا رافعاً راية الإصلاح في قومك ، أطلق العنان لطاقاتك ، ولا تيأس من صدود الناس، وإياك والانسحاب ، فأنت صاحب رسالة ، شعارها: ” إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت ، وما توفيقي إلا بالله ” يا من تعمل في حاجة الناس ، استمر في رسالتك ، فأنت صاحب رسالة شعارها :” وما أسألكم عليه من أجر ، إن أجري إلا على رب العالمين “
