آراءدوليصورة و خبر

غزة والفالنتين….

بقلم/ د/ محمد عبد العزيز مدير عام مركز لندن للبحوث

ربما ومن الوهلة الأولى للعنوان يلومني البعض للكتابة حول هذا الموضوع ، لكن مع اتمام قراءة المقال سيتلاشى ذلك اللوم .

يحتفل  يوم  14 فبراير من كل عام كثيرون من البشر بما يسمونه  عيد الحب  ، ويقف وراء تلك التسمية روماني  عاش في القرن الثالث الميلادي يدعى “فالنتين”، أما أنا فمحبتي لهذا اليوم تعزى إلى كونه  يشكل ذكرى ميلاد أحب أصدقائي ، ويقال إن ” فالنتين ”  كان راعي المحبين فنافح ودافع عن الزواج فى عهد الدولة الرومانية ، في وقت رأى الامبراطور آنذاك  أن الزواج يعطل الشباب عن أداء الخدمة العسكرية فمنعه ،  إلا أن القديس فالنتين وقف له بالمرصاد لإيمانه بضرورة نهاية علاقة المحبين بالزواج  ، لذلك خلدوا ذلك اليوم باسمه

وسؤالي هل يستقيم في خضم ما يعانيه أهل غزة العزة  اليوم وعشرات الأيام مضت من مآسي ومعاناة إنسانية تنوء الجبال بحملها تتمثل في تخلي من الأهل والأصحاب والجيران وتشريد ممنهج وقتل مؤدلج أن نتناول قضايا آخري عبر صفحات التواصل الاجتماعي ؟ الإجابة بنعم ،  لكن شريطة أن  يكون هذا التناول يؤطر لقيم سامية كان أفول شمسها  جزء من الأسباب التي أدت إلى مأساة فلسطين الحبيبة  ، ولما لا وقد  كشفت الأزمة عن مسلمين كثر ينكرون الاهتمام بقضية فلسطين وبعض بني العرب يقارنها بالاهتمام بقضايا وطنه مثلًا ، وفي كل حث من الشرع على الاهتمام والنصرة  ولا وجه لتلك المقارنة  ، ويعزى ذلك لغياب المعنى الحقيقي للحب وأولوياته وعدم ادراك البعض بعظم مساحته وأن القلب يسع الوان لا حصر لها من الحب ومن ثم النصرة والاهتمام للجميع لاسيما أصحاب القضايا العادلة من أهلنا واخواننا وجيراننا   .

وفي وسط صفحات كثيرة تتغنى بعيد الحب أعلن رفضي  تخصيص أيام  للمعاني والمناسبات المختلفة  ، للحب تارة وللأم تارة ولمعاني متعددة تارات أخرى  ، وأكتب في هذه المناسبة رأيًا أحيا على قناعة تامة به يتمثل في كون الحب معنى عظيم لا تستقيم الحياة من دون وجوده  ، فلا يجب أن نقزمه فنحتفل به في يوم واحد ، لذلك علينا استثمار صفحات التواصل الاجتماعي بشكل  نرضى به الله – تعالى – ثم نرضي أنفسنا ونقدم النفع لغيرنا ، ولعل تناول قضية الحب من الأهمية بمكان أن نسلط عليها الضوء في كل وقت وحين وليس اليوم فحسب .

 ويعد حب الله هو أسمى معاني الحب ،  وحب غيرك في الله  من أفضل الأعمال التي ترفع درجات المؤمن في الجنة ، ولن يكلفك هذا  سوى حبك  للناس كافة  ، وللعلماء  والصالحين على وجه الخصوص  ،  ولقد بشر النبي – صلى الله عليه وسلم –  جميع الأمة بأن من أحب أحداً لله حشر معه ورفع إلى درجته يوم القيامة، وفي ذاك ترغيب للمبادرة إلى إعلام من تحب أنك تحبه ولقد حثنا  النبي  على ذلك ، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم –  قال: (إن المتحابين في الله لترى غرفهم في الجنة كالكوكب الطالع الشرقي او الغربي فيقال: من هؤلاء؟ فيقال هؤلاء المتحابون في الله عز وجل). رواه أحمد (91/156) .

 وللحب الوان عديدة يجب أن نهنأ بممارستها طوال الوقت ولا نقصر ذلك على يوم  يتيم ،  منها على سبيل المثال :- حفاظ الفرد على دينه فذاك من أجل ثمار الحب ، حفاظه على قيمه وثوابته ، حفاظه نقاء سريرته حب ، حفاظه  على تماسك وطنه وأواصر مجتمعه وعلى مقدراته أيضًا من أجّلِ علامات الحب ، الحفاظ على تصالحك مع ذاتك وسمو علاقاتك بالآخرين  عيدٌ حقيقي للحب ، اخلاصك في عملك حب ، تسامحك مع الآخرين احتفاء بالحب ، حب الخير لأهلك وذويك وكل من تعرف ترجمة لمعاني الحب ، طاعتك لمن تحب  – فيما لا يعصي ربك – هو حب  ، فإن المحب لمن يحب مطيع ، الحفاظ على تدرج الأولويات في حياتك حب ، احترامك لذاتك وصونك لعزتك من أسمى آيات الحب ، اهتمامك بقضايا دينك ووطنك وجيرانك تكريس لظواهر الحب ، ممارسة الحب مع أهلك وجيرانك وزملائك وكل من تعرف  – بشكل عملي لا لفظي – فيض من حب ، أمانتك وصدقك مع نفسك والآخرين حب ، عدالتك في غضبك حب ، احترامك لحقوق الغير حب ، أوبتك لجادة الصواب سريعًا إذا أخطأت وعدم مكابرتك  وعنادك حب ، صلتك لرحمك حبًا  لنفسك واحترام لأهلك ، توقيرك لعملك وتفانيك فيه وتطوير نفسك في تخصصك حب ، احترامك لخصوصيات غيرك وعدم تطفلك على الآخرين حب ، تقديرك لكل يد قدمت لك يومًا ما وردة هو حب ، حرصك على نقاء قلبك حب ، سعيك لتبييض ثوبك بين الناس هو حب لذاتك لأن الناس شهداء  الله في الأرض . افشاء السلام حب ، اطعام الطعام حب ، تأدية حقوق الغير حب ، وفائك بعهدك حب  ، تربية لنفسك ولأولادك بالقدوة الحسنة حب ، كلمة حق وسط ظلام دامس حب ، تواضعك حب ، ايثارك غيرك على نفسك حب ، احترامك للكبير حب ، تواضعك مع الناس حب ،  عدم القفز في نيات الآخرين حب  ، حسن ظنك بربك وبخلقه حب .

الفظوا المشاعر السلبية من حياتكم وعززوا الطاقات الإيجابية المتمثلة في مشاهد عديدة عامرة بالحب أهمها اسعاد غيرك ولو ببسمة لطيفة بكلمة ظريفة بمواقف خفيفة فأسعدْ الناس من أسعدَ الناس  ، وحبك لله هو أسمى معاني الحب ، وإن نفسا لم يشرق الحب فيها هي نفس لم تدرِ ما معناها , أنا بالحب قد وصلت إلى نفسي وبالحب قد عرفت الله ، املئوا صفحاتكم بالحب الصادق الصحيح وابدءوه بحب الله ثم حب أنفسكم ،  فحب الله من القوة بمكان أن يكون سببًا في إسعادكم .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى