آراءصورة و خبر

العلمانية.. كفر أم إيمان؟

justice-08-1091x520-cمصطلح العلمانية مصطلح مُشكل، لسنا نتفق إلى الآن على مبناه ولا معناه ولا مبتداه.

فلا نعلم متى وضع، ولا نعلم شكل صياغته، هل هو العَلمانية بفتح العين أم هو العِلمانية بكسرها. كما أننا حتى الآن لم نتفق على معناها.

فهل #العلمانية تعني فصل الدين عن الدولة، أي إبعاد الدين عن الشأن السياسي فقط مع بقائه معتبراً في الأمور الأخرى الأخلاقية والاجتماعية وغيرها، أم أن العلمانية تعني إبعاد الدين عن كل مناحي الحياة جميعها، وإبقائه علاقة فردية روحية بين الفرد وربه، كما هو حال النصرانية في ممارستها وفلسفتها الحديثة.

أم أن العلمانية تعني الإلحاد المطلق والرفض الكامل للدين، واعتباره من خزعبلات واختراعات البشر، كما يظهر ذلك في كثير من كلام أساطين العلمانية، أو من بين سطورهم.

وإذا ما تجاوزنا الخلاف حول زمن ظهور المصطلح، فالمهم زمن ظهور فلسفته ومنهجه، وهو عندنا في العالم العربي الإسلامي بداية القرن العشرين.

وإذا ما تجاوزنا الخلاف على المبنى والشكل الصياغي للمصطلح، وذلك على قاعدة أسلافنا: لا مشاحة في الاصطلاح، فإننا سنجد أنفسنا أمام مشاحة كبيرة وجدال عميق حول المعنى والحكم، فإنه إن كان لا مشاحة في الاصطلاح، فالمشاحة كل المشاحة في المعاني والمقاصد.

وهنا _في قضية المعنى والمقصود_ يثار التساؤل: هل العلمانية كفر أم إيمان، وهل العلمانيون كفار أم مؤمنون؟

وبالطبع فنحن هنا لا نتحدث عن تلك العلمانية الملحدة، فأمرها وحكمها لا يحتاج إلى نقاش وحوار.

وكذلك لا نتحدث عن تلك العلمانية الكلية، التي تبعد الدين عن كل مناحي الحياة، وتحصره في مجرد رسوم وترانيم بين الفرد وربه، فهي أيضا تلحق بسابقتها في الوضع والحكم، أو تكاد.

ولكننا نتحدث هنا عن تلك العلمانية في الجزئية السياسية، التي تحصر رؤيتها في فصل الدين عن السياسة والحكم، ولكنها تقدره وتحترمه في كافة النواحي الأخرى.

نتحدث هنا عن تلك العلمانية في الجزئية السياسية، التي تحصر رؤيتها في فصل الدين عن السياسة والحكم، ولكنها تقدره وتحترمه في كافة النواحي الأخرى

وهذا هو حال أغلب علمانيينا المعاصرين، أو هكذا يدّعون.

وإننا للحكم على هذه العلمانية السياسية، لا بد أن نذهب إلى آراء علمائنا ومفكرينا لبيان الحكم والموقف.

ولما أن كانت العلمانية إشكالية محدثة، لم تكن في سالف تاريخنا وأمتنا، فإنه لم يُعن بها ولم يتعرض لها أسلافنا، ولذلك فنحن نذهب إلى علمائنا ومفكرينا المحدثين الذين عايشوا هذه القضية وناقشوها وردوا عليها وحكموا فيها.

وعلماؤنا ومفكرونا ينقسمون في حكمهم على العلمانية والعلمانيين إلى فريقين اثنين:

الفريق الأول: يقول أننا من الممكن أن نعتبر العلمانية السياسية مجرد مذهب فكري في إطار الفضاء الإيماني، وأنها كما لو كانت اجتهاداً خاصاً بأصحابه في تعرّف فلسفة الدين ومنهجه، وأن الإيمان بحاكمية الله ليست من قبيل الشروط للإيمان العام، والذي بغيرها يكون الكفر.

وأن العذر بالجهل أساس في تعاملنا مع هؤلاء العلمانيين الذين يجهلون حقيقة دينهم وشريعتهم.

وهؤلاء على رأسهم أكابر علمائنا المعاصرين أمثال القرضاوي وغيره.

كما أنه اختيار جماعة الإخوان المسلمين، الذي اعتمدته اختياراً رسمياً لها على يد مرشدها الثاني المستشار حسن الهضيبي، الذي ألف كتاباً في هذا سماه (دعاة لا قضاة)، وقد ألفه مع مجموعة من إخوانه في سجون عبد الناصر عندما بدأت تدب فكرة التكفير في صفوف شباب المعتقلين.

ومن قبل ذلك كان أصل الإمام البنا الذي وضعه في أصوله العشرين للفهم، والذي قال فيه: (لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاهما وأدى الفرائض برأي أو معصية، إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوماً من الدين بالضرورة أو كذب صريح القرآن أو فسره على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال أو عمل عملاً لا يحتمل تأويلاً إلا الكفر).

ولكن تبقى التساؤلات التي تثار لهذا الفريق:
– أليست حاكمية الله من المعلوم من الدين بالضرورة؟
– أليس العلمانيون يكذّبون صريح القرآن الذي يتحدث عن وجوب تحكيم شرع؟
– أليس تفسير العلمانيين للقرآن يكون على هواهم غير منضبط بأساليب اللغة ولا ضوابط العلم الشرعي؟

وهنا يأتي الفريق الآخر الذي يرى أن الحاكمية والإيمان بها والتسليم لها من قبيل شروط الإيمان، التي لا يكون الإيمان إيماناً إلا بها.
ويأتي على رأس هؤلاء الأستاذ الشهيد سيد قطب، والشيخ أبو الأعلى المودودي.

يتحدث الأستاذ أبو الأعلى المودودي في كتابه (المصطلحات الأربعة) عن ذلك، بل ويوسع الدائرة ليتحدث عن إيمان العوام، وما الذي ينبغي أن يكون لكي يكون إيمانهم صحيحاً.

وللأستاذ سيد قطب كلام مباشر قوي عن الحاكمية في كتابه (معالم في الطريق)، حيث يقول: (والقاعدة النظرية التي يقوم عليها الإسلام على مدار التاريخ البشري هي قاعدة “شهادة أن لا اله إلا الله” أي أفراد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والقوامة والسلطان والحاكمية. إفراده بها اعتقاداً في الضمير، وعبادة في الشعائر، وشريعة في واقع الحياة. فشهادة أن لا اله إلا الله لا توجد فعلاً، ولا تعتبر موجودة شرعاً إلا في هذه الصورة المتكاملة التي تعطيها وجوداً جدياً حقيقياً يقوم عليه اعتبار قائلها مسلماً أو غير مسلم).

كما أنه يقول: (إن إعلان ربوبية الله وحده للعالمين معناها الثورة الشاملة على حاكمية البشر في كل صورها وأشكالها وأنظمتها وأوضاعها، والتمرد الكامل على كل وضع في أرجاء الأرض الحكم فيه للبشر بصورة من الصور. أو بتعبير آخر مرادف: الألوهية فيه للبشر في صورة من الصور).

كما أنه يقول : (والعبودية الكبرى في نظر الإسلام هي خضوع البشر لأحكام يشرعها لهم ناس من البشر، وهذه هي العبادة التي يقرر أنها لا تكون إلا لله، وأن من يتوجه بها لغير الله يخرج من دين الله مهما ادعى أنه في هذا الدين).

وفي النهاية، وبعد تبيينا لموقف علمائنا ومفكرينا في الحكم على العلمانية والعلمانيين أقول: إنه يجب في تعاملنا مع العلمانيين أن نأخذ بظاهرهم ونكل سرائرهم إلى الله، فهم في ظاهرهم يدّعون أنهم مؤمنون بالله، وأنهم لا ينكرون من الدين إلا حاكميته.

يجب في تعاملنا مع العلمانيين أن نأخذ بظاهرهم ونكل سرائرهم إلى الله، فهم في ظاهرهم يدّعون أنهم مؤمنون بالله، وأنهم لا ينكرون من الدين إلا حاكميته

وبعضهم صادق في ذلك، والبعض الآخر كاذب يُظهر الإيمان ويُبطن الكفر والنفاق. لكننا في النهاية مأمورون بأن نأخذ بالظاهر وأن نكل السرائر إلى الله، فهو الأعلم بها.

وإنه لمن الأسلم لنا في ديننا أن نعتبر علمانية هؤلاء العلمانيين الجزئيين علمانية مؤمنة، أي أنها من قبيل الرأي والاجتهاد في إطار الإيمان، لأن التكفير ليس بالأمر الهين.

وإنه لمن الحسن أن نعتمد على ما اعتمد عليه علماؤنا من القول (بالعذر بالجهل) لهؤلاء الذين يجهلون حقيقة دينهم وشريعتهم.

وبرغم أن رأي من قال بأن الحاكمية جزء أصيل من الإيمان رأي له وجاهته، إلا أن الأسلم لنا كما قلنا اعتبارهم مؤمنين خاطئين جاهلين، ولأن نقول بإيمان كافر خير لنا من أن نقول بكفر مؤمن، وحكمهم في النهاية إلى الله، والحقيقة المطلقة ليست إلا عنده[highlight][/highlight]

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى