تقرير

إيران تشعل الخلاف حول “حقل غاز الدرة” وسط تمسك كويتي- سعودي

حماك||

ما تزال قضية التنقيب في حقل غاز الدرة، الذي يقع في المنطقة البحرية الحدودية بين الكويت والسعودية، تلقي بظلالها على الأجواء السياسة المحتدمة بين دول الكويت والسعودية من جهة وإيران التي أعلنت عزمها التنقيب في الحقل من جهة أخرى، ما يعكس حالة تدخل إيراني سافر في شؤون المنطقة الإقليمية.

وكانت ادعاءات إيرانية في شأن أحقيتها في حقل الدرة للغاز، قد عادت بزخم أكبر للواجهة خلال الأشهر الماضية، مما دفع الكويت إلى الإسراع في الدفاع عن حقوقها بالحقل الذي اكتشف قبل 63 سنة.

تابعنا في X

أهمية حقل الدرة

يقع حقل غاز الدرة في مياه الخليج العربي، بمنطقة بحرية حدودية بين السعودية والكويت، ويقدر احتياطي الغاز القابل للاستخراج منه بنحو 200 مليار متر مكعب،  أو 7 تريليونات قدم مكعبة، أي ما يعادل حاجة بلد مثل مصر للغاز لمدة تقترب من 4 أعوام، وتناهز تقريبا 85 بالمئة من صادرات روسيا من الغاز للاتحاد الأوروبي قبل الحرب مع أوكرانيا.

وتم اكتشاف حقل الدرة عام 1960 في مياه الخليج، عندما منحت الكويت شركة “رويال داتش شل” العالمية، امتياز التنقيب، وفي وذات الوقت منحت إيران شركة النفط الأنغلو-الإيرانية، والتي أصبحت لاحقاً “بي بي” حق امتياز مماثل، ليبدأ الخلاف عام 1967، معتبرة أحقيتها بالمنطقة وحقل الدرة الذي تطلق عليه “آرش”.

وتعتبر الكويت أن “المنطقة البحرية الواقع بها حقل الدرة تقع في المناطق البحرية لدولتها، وأن الثروات الطبيعية فيها مشتركة بينها وبين السعودية، ولهما وحدهما حقوق خالصة في الثروة الطبيعية في حقل الدرة”، مشتركة في ذات الاعتبار مع المملكة العربية السعودية والتي ترى أيضًا أن لها وللكويت وحدهما كامل الحقوق السيادية لاستغلال الثروات في تلك المنطقة”.

في ديسمبر/ كانون الأول 2023 كانت السعودية والكويت من خلال شركتي “أرامكو لأعمال الخليج” و “الشركة الكويتية لنفط الخليج”، قد وقعتا مذكرة تفاهم لتطوير حقل الدرة للغاز المشترك بين البلدين.

وتشير التوقعات إلى استخراج مليار قدم مكعب من الغاز و84 ألف برميل من مكثفات الغاز، من هذا الحقل، كل يوم.

بتاريخ 21 مارس/ آذار 2022، اتفقت وزارتا الطاقة السعودية والنفط الكويتية في محضر الاجتماع الموقع بينهما، على العمل لاستغلال الحقل الواقع في المنطقة المغمورة المقسومة، عبر شركة عمليات الخفجي المشتركة، بحضور وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان ونظيره الكويتي بدر حامد الملا.

الأمر الذي أزعج إيران وأثار اعتراضها، معتبرة أن الاتفاق السعودي الكويتي “خطوة غير قانونية”، ومؤكدة احتفاظها بحق الاستثمار في الحقل المشترك بين الدول الثلاث، داعية في الوقت ذاته إلى دخول الدول الثلاث في مفاوضات حول كيفية استثمار الحقل المشترك..

في موازاة ذلك، فإن تطوير الحقل يأتي تنفيذاً لمُقتضى مذكرة التفاهم التي وقَّعتها المملكة والكويت في 24 ديسمبر/كانون الأول 2019، والتي تضمنت العمل المشترك على تطوير واستغلال حقل الدرة البحري.

خريطة تفصيلية لموقع حقل غاز الدرة

محطات الخلاف

رغم دبلوماسية التصريحات الإيرانية، إلا أنها لم تخل من لهجة تصعيدية أمام نواياها التي تحاول تصديرها على أنها حسنة ومع اتفاق سلمي بين الأطراف.

في 30 تموز/ يوليو 2023، نقلت وكالة “مهر”، الإيرانية عن وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، أن بلاده “لن تتحمل أي تضييع لحقوقها” في حقل “آرَش” Arash الغازي أو “الدرة”، كما تسميه الكويت، والمتنازع عليه بين البلدين.

مؤكداً اتباع إيران التفاوض والتفاهم مع الجيران”حول الاستخراج من حقول النفط والغاز المشتركة، وبشأن حقل آرش (الدرة) والذي “نطالب باستخراج موحد ومشترك منه”، حسب وصفه.

في الـ27 يوليو 2023، كشف وزير النفط الكويتي سعد البراك، في تصريحات صحافية، أن بلاده ستبدأ التنقيب والإنتاج في “حقل غاز الدرة” من دون انتظار ترسيم الحدود مع إيران.

ويأتي ذلك بعد أن قال في وقت سابق، إن الكويت والسعودية لديهما “حق حصري” في حقل غاز الدرة بالخليج، داعياً إيران إلى البدء في ترسيم حدودها البحرية، من أجل تأكيد مطالبها في الحقل.

وكانت “رويترز” قد كشفت في نفس شهر يوليو، وثيقة حكومية تشير إلى أن الكويت تخطط لتجهيز البنية التحتية المتكاملة لحقل الدرة البحري لإنتاج النفط والغاز. وأوضحت خطة الحكومة الممتدة لأربع سنوات من 2023 إلى 2027، وجرى إرسالها إلى البرلمان في 16 يوليو، أنه من المخطط لها أن تتم في السنة الرابعة.

في 12 يوليو، أكد وزير النفط الإيراني، جواد أوجي، أن وزارة الخارجية الإيرانية ستتابع قضية الحقل، سبقه بيوم واحد إعلان المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، أن بلاده كانت قد أجرت مفاوضات مع الكويت، بشأن حقل الدرة المعروف إيرانياً باسم “أرش”، وترسيم الحدود البحرية.

مضيفًا، أن آخر جولة من المفاوضات الحقوقية والفنية جرت في 13 مارس/ آذار 2023 بين وفدين من البلدين على مستوى كبار المديرين في وزارتي خارجيتيهما.

في 11 يوليو، أكدت الرياض أن “السعودية والكويت فقط” تملكان حق استغلال الثروات الطبيعية في حقل الغاز المتنازع عليه مع إيران، بعدما أعلنت طهران استعدادها لبدء التنقيب في الحقل الواقع في مياه الخليج الغنيّة بالموارد الطبيعية.

تأكيد الرياض جاء ردًا على حديث عضو لجنة الطاقة البرلمانية الإيرانية، فريدون عباسي دواني، القائل: إن “إيران لن تتنازل عن حق شعبها في حقل آرش الغازي، وستتخذ الإجراءات اللازمة في الوقت المناسب، لأن لدينا حصة في الحقل، لكن سنحل الموضوع بدبلوماسية وصداقة.

في 9 يوليو، صرح وزير النفط الكويتي قائلاً: “إلى هذه اللحظة، هذا حق حصري للكويت والسعودية في حقل الدرة، ومن لديه ادعاء فعليه أن يبدأ بترسيم الحدود من أجل تأكيد مطالبه في الحقل، وإن كان له حق فسيأخذه وفقاً لقواعد القانون الدولي”.

وفي 3 يوليو، جدّدت الكويت دعوتها إيران إلى استئناف محادثات ترسيم الحدود البحرية. وأبدت إصراراً على أنها صاحبة “الحقوق الحصرية” في الحقل البحري مع السعودية، وقد اتّفق البلدان على تطويره بشكل مشترك العام الماضي، معتبرة أن المنطقة البحرية الواقع فيها حقل الدرة تقع بالمناطق البحرية لدولة الكويت، والثروات الطبيعية فيها مشتركة بينها وبين السعودية، ولهما وحدهما حقوق خالصة فيها.

جولات تفاوضية بين الطرفين لم تُفض إلى حل مسألة مشاركة حقل الدرة (فرانس برس)

سعي إيراني للهيمنة المطلقة

بدأت إيران التنقيب في الحقل في عام 2011، ما دفع بالكويت والسعودية إلى عقد اتفاق لترسيم حدودهما البحرية والتخطيط لتطوير المكامن النفطية المشتركة. ثم على مدى أعوام، أجرت إيران والكويت مباحثات لتسوية النزاع حول منطقة الجرف القاري على الحدود البحرية بين البلدين، إلا أنها لم تؤد إلى نتيجة.

ومع عودة المزاعم الإيرانية حول الحقل، وارتفاع حدة مطالبتها مطلع شهر تموز/ يوليو الفائت، عند إعلان الرئيس التنفيذي لشركة النفط الوطنية الإيرانية، استعداد طهران لبدء الحفر في حقل غاز “الدرة”، دون ترسيم للحدود أصلًا بين البلدين، وهو ما يطرح جملة تساؤلات عن نوايا إيران.

وبالنظر إلى تهديد طهران ببدء عمليات الحفر والتنقيب في الحقل فإنه يلاحظ تنافيها مع أبسط قواعد العلاقات الدولية، لذلك لا بد أن يكون الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين الكويت وإيران، وهو ما تأخر إيران تنفيذه.

تشير صحيفة “الإندبندنت” البريطانية في تقرير لها، نشر في آب/ أغسطس الفائت، أن “إيران لديها ادعاءات ليست مبنية على أساس من ترسيم واضح للحدود البحرية”، وأنه يظهر من تصريحات منسوبيها إصراراً على تصعيد الخلاف حول الحقل على رغم إعادتها تطبيع العلاقة مع السعودية، في خطوة تشير لمحاولة من طهران وضع الحقل في سياق الملفات التي تجري مساومة جارتها الرياض على حسمها.

وكانت السعودية والكويت، قد دعتا إيران مرارًا للتفاوض حول الحد الشرقي للمنطقة المغمورة المقسومة معهما، وفقًا لأحكام القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار.

من جهته، كان المتخصص بشؤون الطاقة كامل الحرمي، قد اعتبر تهديدات إيران في شأن حقل الدرة للغاز باطلة، مشيراً إلى أنها قد تكون تمهيداً لبدء التفاوض مع السعودية والكويت كطرف واحد.

وقال الحرمي حينها في تصريح له، إن “تصرف طهران الأخير يأتي بعد أكثر من عام من توقيع اتفاق الكويت والسعودية على بدء تطوير الحقل، ويعتبر حلقة جديدة في سلسلة الاعتراضات الإيرانية التي تمتد منذ بدء الكويت في تطوير الحقل مع شركة (شل) العالمية مطلع ستينيات القرن الماضي”.

وأضاف الحرمي أن “الكويت بدأت مع السعودية في حفر آبار استكشافية، تحديداً في الجزء الجنوبي من حقل الدرة، وعملت طهران الشيء نفسه في الجزء الشمالي الشرقي منه”، مستدركاً “إلا أن العمليات توقفت في 2015 مع تطبيق العقوبات الأميركية عليها”.

هددت طهران ببدء عمليات الحفر والتنقيب في حقل “الدرة” الواقع في المنطقة المغمورة المشتركة بين الكويت والسعودية (أ ف ب)

النفط المسلوب

تسيطر إيران على إقليم الأحواز العربي والذي يتمتع بأهمية اقتصادية كبيرة، حيث يشكل النفط الأحوازي ما نسبته 87 في المائة من إجمالي النفط الإيراني المصدّر، كما يشكل الغاز الطبيعي في الإقليم 100 في المائة من الغاز الذي تملكه إيران.

ولهذه الموارد الطبيعية دور كبير في إنعاش الاقتصاد الإيراني وقت تعرضه للعقوبات الدولية، إذ جعلته صامداً في وجه المشاكل السياسية والاقتصادية، في حين يعيش الشعب الأحوازي تحت خط الفقر المدقع.

بالمقابل، فإن تقارير رسمية بوزارة النفط العراقية، أكدت أن إيران تسرق نحو 130 برميل يوميًا من أربعة حقول عراقية تقع على بعد 5 كيلو مترات من الحدود الدولية بين البلدين، بهدف تمويل مصالحها العسكرية في العراق وسورية.

وتقع حقول النفط العراقية الخمسة على الحدود مع إيران وهي “دهلران، ونفط شهر، بيدر غرب، أبان، النور، فيما تتشارك بغداد وطهران بحقول مجنون، وأبو غرب، بزركان، والفكة، ونفط خانة، وتحوي تلك الحقول خزيناً هائلاً من النفط الخام الخفيف القريب من سطح الأرض”.

ولا يقتصر الأمر على العراق فقط، إذ تدير إيران حقلي “الحمار والحسيان” شمال شرق سوريا، إضافة لعدة حقول فوسفات سوري في البادية السورية والذي يعد من الأنواع الغنية بمادة اليورانيوم المشعّ، والذي يمكن استخدامه لأغراض عسكرية، ما يعزز التنافس للاستحواذ عليه.

في حين أنه، -وحسب تقارير صادرة في العام الفائت-، “ينهب الحوثيون (ذراع إيران في اليمن) 150 مليار ريال يمني من إيرادات النفط الواردة عبر ميناء الحديدة منذ بدء الهدنة الإنسانية في نيسان/ إبريل 2022، في وقت يتضور فيه ملايين اليمنيين جوعًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى